للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: (أنا المتوثن والهدم عبادتي) (١)، وقد سبق نقل كلام أحد منظريهم في الثناء على تعدد الأوثان عند اليونان (٢)، واعتبار ذلك أساسًا للتعددية الفكرية الحديثة وللحرية، أمّا التوحيد - عنده فجمود وتخلف وتحكم وعوائق وأغلال (٢)، ثم خلص إلى أن مطلب الحداثة هو تحرير الإنسان من الوحدانية وإعادته إلى الوثنية، فقال ما نصه: (. . . فالوحدانيه تتناقض كل التناقض مع الحرية، إن وحدانيتها تحول دون تحقيق وعودها فلا حرية مع الوحدانية. . . لذلك نجد النهضة الأوروبية حاولت إعادة الصيغة الوثنية التعددية، فقد وجدت فيها التعبير الاكمل لحرية الإنسان فكرًا وجسدًا، وهنا تبدأ الحداثة الثانية وبدايتها كانت على شكل مساومة بينها وبين الوحدانية، ولم تظهر بشكل واضح إلّا بعد أكثر من قرنين من النهضة الأوروبية التي تشكل البداية فقط) (٣).

إذن هذه الحداثة، وهذا أول طريقها المظلم وبداية حملتها الصليبية والصهيونية الإلحادية لاختراق دار الإسلام، باسم التحديث والتجديد هذه المرة، وفي أزياء العقلانية والتطوير والتاريخية والعصرية.

وما هي في الحقيقة إلّا حلقة في سلسلة طويلة من الحرب للإسلام وأهله، وشعبة من شعب الكفر والنفاق يراد لها أن تلقى بظل يحومها على ربوع الإيمان والتوحيد في قلوب المؤمنين، لتوجد مكان التوحيد وثنية باسم التعددية، ومكان اليقين شكًا باسم النقاش والحوار، ومكان الشريعة جاهلية باسم العقلانية، تارة بالكفر البواح في الأمكنة التي يتاح لهم فيها المجاهرة به، وتارات بالمخبوء والمستتر تحت الألفاظ والرموز الغامضة فى الأمكنة التي لا يتمكنون فيها من البوح والتصريح.

وعلى كل حال فقد أضحى التحرر من العبادة للَّه ومن الإيمان به ومن


(١) الأعمال الشعرية الكاملة لأدونيس ٢/ ٦٤٢.
(٢) انظر: مجلة الناقد، عدد ٨: ص ٣٢ - ٣٤، وقد سبق نقل ذلك في ص ١٩٨ - ٢٠٠ من هذا الكتاب.
(٣) المصدر السابق: ص ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>