التوحيد ومن الشريعة أساسًا من أهم أسس الإبداع عند أصحاب الحداثة.
ويُمكن القول بكل صراحة: إن منظري ومروجي الحداثة يعلنون بكل جرأة، بأن الكفر باللَّه ودينه هو أساس الإبداع، ولنستمع إلى قول سادن صنم الحداثة، الباطنيّ أدونيس في هذا المجال، وذلك في أثناء حديثه عن الخروج عن ما أسماه بالمشكلية القديمة للحضارة العربية، المتمثلة حسب زعمه في الوحي والدين والقديم، والتي يراها متناقضة مع ثنائية مقابلة لها، فالوحي مع العقل، والدين مع الفلسفة، والقديم مع الحديث، ويرى أن هذه الثنائية التفاضلية التعليمية أدت إلى دوران الفكر العربي والشعر في إطار مغلق وضيق، بين ثنائيّ تقويميّ: حق وباطل، وخير وشر، وإيمانيّ وإلحاديّ، وأصوليّ وخارجيّ وعربيّ وشعوبيّ، وقديم ومحدث (١).
ثم خلص من ذلك إلى أن هذا المناخ من الهيمنة أدى إلى ثورة مؤداها أنه (لم يعد المطلق الإلهيّ وحده مركزًا، بل صار الإنسان شريكًا له، ذلك هو الجانب الصوفيّ والعقلانيّ الإلحاديّ، لكن على مستوى آخر من هذه الثورة. . . أصبح العالم تفجرًا مستمرًا صوب تكامل مستمر، ولم يعد المطلق الإلهيّ وراء العالم أو قبله وحسب، وإنّما أصبح أمامه أيضًا، لم يعد يجيء من الماضي وحده، وإنّما أخذ ينبثق في الحاضر ويجيء من المستقبل أيضًا، ولم يعد المطلق الإلهيّ في هذا المنظور جوابًا لا سؤال بعده، وإنّما أصبح سؤالًا، والعالم، إذن، لم يخلق كاملًا، دفعة واحدة وإلى الأبد، وإنّما صار كل شيء فيه للخلق المستمر. . . هكذا لا يعود علم الجمال، بالنسبة إليه علم جمال النموذج أو الأصل أو الثابت، بل علم جمال المتغير، المتحول، المتجدد، ويصبح الإبداع ممارسة الشاعر، الأولى، من أجل تأسيس وجوده في أفق البحث السؤال، لم يعد الشاعر، بتعبير آخر، يكتفي بمحاكاة العالم، وإنّما أصبح يمارس هو نفسه خلق العالم، وبدلًا من أن يردنا علم جمال الثابت إلى العالم البديع الفائق، الكامل الصنع، أخذ يردنا علم جمال المتحول إلى القصيدة البديعية الصنع، كصورة جديدة عن
(١) انظر ذلك في الثابت والمتحول جـ ٣ صدمة الحداثة: ص ٢٦٢ - ٢٦٣.