للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحقيقة غير واحد من طواغيت الحداثة، منهم خالدة سعيد التي قالت: (. . . تبدو العلمنة كمبدأ، بعدًا من أبعاد الحداثة، دون أن يعني ذلك صيغة محددة بعينها، وفي إطار الحداثة علينا أن نقرأ المفكرين العلمانيين، القوميين منهم والماركسيين، وقد أسهم هؤلاء المفكرون، بدورهم في إذكاء تيارات الحداثة العربية وتعميقها) (١).

ويعبر عبد الرحمن المنيف عن هذه العلاقة بقوله: (. . . نجد أول معثى من معاني الحداثة: الجديد في مواجهة القديم، والجديد لا يقتصر على الفكر والأدب، وإنّما ينسحب أيضًا على البنى الاقتصادية والاجتماعية، وإلى قيم جديدة مختلفة عما هو قائم وسائد، وإلى علاقات تلائم هذه القيم، كل ذلك مع تطور لا يلبث يتسع ويتزايد في العلوم والتكنولوجيا والمعارف الإنسانية، إضافة إلى تنمية القوى المنتجة وتنامي الوعي، وعلمانية في الفكر والسلوك، لأن مركز الثقل أخذ ينتقل من السماء إلى الأرض. . .) (٢).

وأهم وجه من أوجه تطابق الحداثة والعلمنة أنها -كما سبق- تتجرد من التأله والتعبد للَّه وتنعطف نحو الإنسان والأرض (العلمنة في معناها العميق انعطاف من الإله إلى الإنسان، ومن مملكة العرب إلى مملكة الإنسان، وبذلك لم يعد الإنسان يرى العالم نتاج نظام إلهيّ أبديّ، بل وجد نفسه أمام نظام من صنع يديه لا استئناف لأحكامه إلى سلطة عليا، ومن هنا تغيرت نظرة الإنسان إلى العالم تغيرًا جذريًا فلا شيء محرم على العقل.

فعوض عالم مستقر آمن قائم على قواعد ثابتة لا تتزعزع، وجد الإنسان نفسه، شيئًا فشيئًا في عالم لا قواعد ثابتة له، عالم على ساكنيه أن يعيدوا بناءه بأيديهم وعلى صورتهم ومثالهم، هكذا أصبح الإنسان أكثر من أي وقت مضى مقياس كل شيء، إذ أن العصر الحديث عصر علمانيّ بدأ حين


(١) قضايا وشهادات ٣ شتاء ١٩٩١ م/ ١٤١١ هـ: ص ٦٥.
(٢) المصدر السابق ٢ صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ: ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>