من أركان الإسلام هو "شهادة ألا إله إلّا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه" قبل الأركان الأخرى، قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وقبل أي تشريع آخر من تشريعات الإسلام فقد شغلت هذه القضية -قضية التوحيد- الحيز الكبير من القرآن العظيم وشغلت أكثر وقت النبي الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم-.
بل إننا إذا نظرنا في القرآن نظرة تأمل وتدبر وجدناه كله يدور حول هذه القضية، وأن سواها لا يقوم إلّا بها ولا يصح إلّا بصحتها، ولا يقبل عمل ولا يستقيم سلوك ولا تصح عبادة ولا تستقر حياة إلّا بصحة واستقامة واستقرار المعنى العظيم الذي تحتويه كلمة التوحيد "لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه".
ويوضح هذا المعنى خير إيضاح ما جاء في مدارج السالكين من قول مؤلفه رحمه اللَّه:(وغالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولًا كليًا: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه فإن القرآن: إمَّا خبر عن اللَّه وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلميّ الخبريّ، وإمَّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإراديّ الطلبيّ، وإمَّا أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإمَّا خبر عن كرامة اللَّه لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإمَّا خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرَج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم)(١).
ومن ينظر إلى سور القرآن وكلام المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- يجد أنها كلها تدور حول هذه القضايا التي جاءت في النص السابق ولا تخرج عنها، ويجد تبعًا لذلك أن الإسلام اهتم بقضية التوحيد المقتضي لشمول الإسلام لأعمال
(١) مدارج السالكين ٣/ ٤٤٩ - ٤٥٠، وهو منقول في شرح العقيدة الطحاوية: ص ٢٩ بتحقيق الأرناؤوط، نشر المؤيد.