الإنسان وطلب عبودية الإنسان في كل أعماله للَّه تعالى.
إن هذه سمة بارزة في نصوص الوحي في أعمال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه سواء كان ذلك في مكة أو بعد الهجرة إلى المدينة، فأمَّا بروز هذه القضية في العهد المكيّ فأمر واضح للعيان، وقد يظن ظان أن هذا الاهتمام الكبير بالتوحيد في مكة هو لكون المخاطبين كانوا قومًا مشركين، فكان من المناسب أن يتم التركيز والتأكيد على قضية العقيدة، ولكننا نجد أن القرآن استمر في الحديث عنها في العهد المدنيّ بعد أن قامت دولة الإسلام وظهر المجتمع الإسلامي واستقرت العقيدة في قلوب الصحابة والتزم الناس بأحكام الإسلام.
وفي هذا دلالة كاملة على أن قضية القضايا وأصل الأصول هي قضية التوحيد ومقتضياته ولوازمه.
بيد أن قضية التوحيد والعقيدة ليست في دين الإسلام مجرد اعتقادات قلبية أو مشاعر وجدانية أو قيم خلقية، كما يدعي بعض العلمانيين والحداثيين في بلدان المسلمين، والذين يصفون أنفسهم بالاعتدال في مقابل غلاة العلمانيين وهم الملاحدة الذين ينكرون وجود اللَّه تعالى.
وفي حقيقة الأمر أن هؤلاء وهؤلاء على شعب الضلال والكفر إلّا أن بعضهم أشد وأعتى في كفره من الآخر، في حين أن القسم الأول والذي ينعت بالاعتدال أخطر في بث سمومه وانحرافاته الاعتقادية الخطيرة؛ وذلك بسبب ما يتلبس به من ذكر للإسلام وامتداح لبعض جوانبه وثناء على بعض قضاياه وممارسة بعض أعماله في الوقت الذي يعتقد في قلبه أن الإسلام مجرد علاقة فردية بين العبد وربه أو مجرد عقائد إلهية لا لوازم لها في الواقع ولا مقتضيات لها في الحياة، فيغر الأغرار بما يتلفظ به من ادعاء للإسلام، أو امتداح لبعض قضاياه، ويدس سموم شكوكه وانحرافاته في هذا التظاهر الكاذب المخادع، فيكون حاله أشبه بحال المنافقين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، ويدّعون الإسلام وهم يبطنون بغضه أو بغض بعض أحكامه.
ومن هنا كانت خطورة هؤلاء على المسلمين، لاسيما إذا نظرنا إلى