للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيها: أن تعرضهم لمسألة الوجود عامة يأتي -في الغالب- تبعًا لتعرضهم لمسألة وجود الإنسان.

ثالثها: أن انحرافهم في هذه القضية منبثق من انحرافهم في ألوهية اللَّه تعالى.

وعليه فلابد من إيضاح حقيقة ذلك، حسب المفهوم الاعتقادي الإسلامي، المناقض تمام المناقضة لمفاهيم أهل الشرك والإلحاد والضلال.

وقد قطع اللَّه تعالى على الكفار حجتهم في هذا ورد عليهم ظنونهم الفاسدة فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} (١).

قال سيد قطب رحمه اللَّه: (إن خلق السماء والأرض وما بينهما لم يكن باطلًا، ولم يقم على الباطل، إنَّما كان حقًا وقام على الحق، ومن هذا الحق الكبير تتفرع سائر الحقوق، الحق في خلافة الأرض، والحق في الحكم بين الخلق، والحق في تقويم مشاعر الناس وأعمالهم، فلا يكون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، ولا يكون وزن المتقين كوزن الفجار، والحق الذي جاء به الكتاب المبارك الذي أنزله اللَّه ليتدبروا آياته وليتذكر أصحاب العقول ما ينبغي أن يتذكروه من هذه الحقائق الأصيلة، التي لا يتصورها الكافرون؛ لأن فطرتهم لا تتصل بالحق الأصيل في بناء هذا الكون، ومن ثم يسوء ظنهم بربهم ولا يدركون من أصالة الحق شيئًا {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} (٢).

إن شريعة اللَّه للناس طرف من ناموسه في خلق الكون، وإن كتابه المنزل بيان للحق الذي يقوم عليه الناموس، وإن العدل الذي يطالب به الخلفاء في الأرض والحكام بين الناس إنّما هو طرف من الحق الكلي، لا يستقيم أمر الناس إلّا حين يتناسق مع بقية الأطراف، وإن الانحراف عن شريعة اللَّه والحق في الخلافة والعدل في الحكم إنّما هو انحراف عن


(١) و (٢) الآية ٢٧ من سورة ص.

<<  <  ج: ص:  >  >>