للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناموس الكوني الذي قامت عليه السماء والأرض؛ وهو أمر عظيم إذن، وشر كبير، واصطدام مع القوى الكونية الهائلة لابد أن يتحطم في النهاية ويزهق، فما يُمكن أن يصمد ظالم باغ منحرف عن سنة اللَّه وناموس الكون وطبيعة الوجود، ما يُمكن أن يصمد بقوته الهزيلة الضئيلة لتلك القوى الساحقة الهائلة، ولعجلة الكون الجبارة الطاحنة!، وهذا ما ينبغي أن يتدبره المتدبرون وأن يتذكره أولو الألباب) (١).

وقد بين الحق سبحانه أن الإقرار بالحكمة من وراء خلق الكون وإيجاد الوجود هو شأن أولي الألباب، وهذا يعني أن جحد ذلك والتشكيك فيه هو شأن العقول السقيمة والأذهان المريضة، فقال -جَلَّ مِن قَائِلٍ-: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)} (٢).

إن هذا الكون العجيب بما فيه من أشياء وأحياء ما خلقه اللَّه ليكون باطلًا وما خلقه عبثًا، بل خلقه بالحق والحكمة وليكون حقًا، الحق قوامه والحق نظامه، فهو ليس عدمًا ولا عبثًا كما تقول الفلسفات الإلحادية المادية، وهو يسير وفق ناموس محكم فليس متروكًا للفوضى، وهو يمضي لغاية فليس متروكًا للصدفة، وهو محكوم في وجوده وحركته وغايته بالحق الذي لا يلتبس به الباطل.

وهذه الحقيقة هي التي تمس قلوب أولي الألباب، وتطبع حسهم وتزيد من قوة يقينهم وبرهانهم على أن الكون مخلوق لغاية، والإنسان لغاية، وكل المخلوقات لغاية، وأن هناك حكمة عظيمة وغاية جسيمة لكل هذه الموجودات، وأن هناك حقًا وعدلًا وراء حياة الناس في هذه الأرض،


(١) في ظلال القرآن ٥/ ٣٠١٩.
(٢) الآيات ١٨٩ - ١٩١ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>