للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا في نظمهم ولا في حياتهم ولا بعد بعثهم، وها نحن نرى جوانب عديدة من عدم الفلاح في حياة الكافرين، وإن فتحت عليهم أبواب كل شيء، مما أدهش ضعفاء اليقين، وعديمي الإيمان فظنوا أنهم لفلاحهم في دينهم وعقيدتهم حصل لهم ذلك، وما عرفوا الحقيقة التي ذكرها اللَّه تعالى في قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)} (١).

وكل ما يراه الناس على الكافرين من نعمة ومتاع، وقوة وسلطان، وترف وبذخ، وإنتاج وهيمنة ليس فلاحًا في ميزان القيم الحقيقية، ولا في ميزان أهل العقول السليمة -وبعض عقلائهم يتحدث بذلك- إنّما هو فتنة واستدراج وإمهال ينتهي بالوبال، ومن هلك منهم مستمتعًا بكل ذلك فإن الآخرة تنتظره، وهي الشوط الأخير في مراحل نشأة الإنسان، وليست شيئًا منفصلًا في تقدير اللَّه وتدبيره (٢).

هذه الحقيقة العظمى -في أن الكون والإنسان مخلوقة لغاية ولم تخلق عبثًا- هي من مسلمات عقيدة المسلمين، ومن أبجديات إيمانهم باللَّه رب العالمين، ومن خالف في ذلك فليس له في الإسلام نصيب، وإن تسمى بأسماء المسلمين ومارس بعض أعمالهم العبادية.

وقد غرق أهل الأدب العربي المعاصر من ضمن ما غرقوا فيه، غرقوا في انحراف اعتقادي هائل أوحى به إليهم شياطين الجن والإنس، يتمثل ذلك في حيرتهم وشكهم في الغاية من الوجود والحياة ووجود الإنسان، وزعمهم أن وجود الإنسان عبث، وهذا كثير في كلامهم.

وسوف نورد هنا بعض الشواهد من أقوالهم على هذا النوع من الانحراف، فمن ذلك قول نازك الملائكة:


(١) الآيتان ٤٤ - ٤٥ من سورة الأنعام.
(٢) انظر: في ظلال القرآن ٤/ ٢٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>