وهذا الكلام -مع تقديري لعلم وفضل صاحبه، والحق أحب إليّ منه- يصب في آنية الحداثيين المحليين وأساتذتهم، وفيه من المغالطة والمجازفة ما لا يليق برجل يعلم عن دين اللَّه ما به قيام الحجة عليه وعلى غيره، ويعلم من إلحاديات وكفريات الحداثيين ما يكفي لمراجعة طروحاته على ضوء معايير شريعة اللَّه الكاملة، وكيف لا تكون الحداثة تهمة فكرية وهي تقوم على أسس من الإلحاد والضلال والكفر والمضادة لدين الإسلام كما يعترف به الحداثيون أنفسهم؟.
وكيف لا تكون الحداثة تهمة فكرية ونحن لا نكاد نجد حداثيًا صادقًا في انتمائه للحداثة إلّا وهو في أحسن حالاته ينادي بفصل الدين عن الأدب والفكر والثقافة والفن، ويزعم أن القيم الجمالية لا تدخل تحت معايير الصواب والخطأ الشرعيين ولا تحت مقاييس الحلال والحرام؟.
وإني أعيذ هذا الكاتب أن يكون ممن يقول بذلك أو يسوغه بمنطوق قوله أو بمفهومه.
ومتى كانت الحداثة وسيلة للإبداع لا تفرض مضمونًا؟ ونحن نرى أتباعها ممن أشربوا حبها حتى من ناشئتنا الذين يحسّن بهم الظن قد تلوثوا بمفاهيم فكرية، أقل ما يقال عنها أنها أقرب إلى الشكوك والريب في الدين وأهله ومناهجه ونظمه منها إلى اليقين والإيمان الجازم، فضلًا عمن ارتكس إلى مهاوي الجحد الصريح والنكران الفاضح، والمعارضة البواح لدين اللَّه تعالى أو لشيء منه، وما الهزات الفكرية التي يصفها -هذا الكاتب- عند أتباع الحداثة المحليين إلّا فوح البئر المهجورة ليوسف الخال، وبوح مهيار الدمشقي، ونبض نضاليات محمود درويش والقاسم وزياد، وإباحيات قباني.
وإن من عظيم جرم الحداثيين المحليين "الأتباع" أنهم لا ينفكون مادحين ومشيدين بأصحاب التجديف والكفريات الصلع، محسنين لمذاهبهم،
(١) جريدة عكاظ عدد ١٠٥٩٣ في ١٨/ ٣/ ١٤١٦ هـ: ص ٢٧، في مقابلة مع أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، وله مثل هذا الكلام في كتابه الحداثة وأعباء التجاوز.