للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثها: أن السياق في مقاله كله يوصل إلى نفي الصفات حتى بالصورة الابتداعية التي انضافت في المجتمعات المتمدنة في دمشق وبغداد ونيسابور وقرطبة، والمطلع على بقية المقال يتضح له ذلك بجلاء.

رابعها: أن فلسفة الحداثة في نفي صفات اللَّه تعالى أو وصفه بما لا يليق به -جلَّ وعلا- تقوم أساسًا على نظرتهم الإلحادية لنصوص الوحي المعصوم.

واعتمادًا منهم على أصول النظر المادي العقلاني الإلحادي، جعلوا نصوص الوحي من قرآن وسنة مجرد أساطير، وهذا ما صرح به نصر حامد أبو زيد في مقالة له بعنوان "النصوص الدينية بين التاريخ والواقع" حيث قال: (تتحدث كثير من آيات القرآن عن اللَّه بوصفه ملكًا بكسر اللام له عرش وكرسي وجنود وتتحدث عن القلم واللوح، وفي كثير من المرويات التي تنسب إلى النص الديني الثاني -الحديث النبوي- تفاصيل دقيقة عن القلم واللوح والكرسي والعرش، وكلها تساهم -إذا فهمت فهمًا حرفيًا- في تشكل صورة أسطورية عن عالم ما وراء عالمنا المادي المشاهد المحسوس. . .، لكن من غير الطبيعي أن يصر الخطاب الديني في بعض اتجاهاته على تثبيت المعنى الديني عند العصر الأول، رغم تجاوز الواقع والثقافة في حركتهما لتلك التصورات ذات الطابع الأسطوري) (١).

وهكذا تتأسس النظرة الإلحادية نحو الدين كله في سياق من التأويل الإلحادي والنظرة الفكرية المادية، ومن هذا الأساس ونحوه تنبثق النظرة الحداثية نحو نصوص الوحي الشريف، مسترسلة نحو دركات من الكفر البواح، والضرب في أوهام المادية، بعيدًا عن أي دلالة عقل أو برهان تجريب أو حس أو فطرة، أمّا النقل فهم أعداؤه ومناقضوه فلا دلالة له عندهم على الإطلاق، وهذا من ضلال أعمالهم كما قال اللَّه تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (١)} (٢)، وهذا الإغراق الحسي في الماديات هو الذي وصفه اللَّه تعالى في قوله -جلَّ وعلا-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا


(١) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م: ص ٣٩٢، ونحوه: ص ٣٩٣.
(٢) الآية ١ من سورة محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>