للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صراطه المستقيم، ومجاهد في سبيله، ولم يخل أولئك العباد والفقهاء المعتزلون من خير انطوت عليه نفوسهم، ونية صالحة ومقصد حسن، رغم ما فيهم من قصور وعجز، أو ابتداع وإحداث، حاشا أولئك الزنادقة من المتفلسفة والمتصوفة، الذين أصبحوا في ضفة أخرى غير ضفة الإسلام.

أمَّا الأدباء والشعراء فقد تحولوا تدريجيًا -إلّا من رحم اللَّه- إلى أبواق مديح، أو أدوات إلهاء وتسلية، صاحب ذلك ما صاحبه من استجداء ومديح للظلمة، وترسيخ للطغيان وبيع للمواهب الثقافية في أبهاء السلاطين، في الوقت الذي كان الترف فيه ينخر الحياة ببطء، والذي كان من أجزائه كثرة الجواري والقينات المغنيات اللواتي ملأن قصور الخلفاء والوزراء والأثرياء، وقمن بإشاعة روح اللهو وتحويل حياة "الملأ" إلى عبث ومجون، إضافة إلى ما كن يقمن به من أدوار تجسس ومؤامرات تدمير، وكان من بينهن يهوديات ونصرانيات وكثير من الوثنيات، فأصبح الطرب صناعة، ودسائس الجواري والقينات مهارة، وكان أكثر الداء في قصور الحكام الذين استسلموا لهذا حتى أصبح بعد قرون من استمراره سببًا في انهاك وتقويض روح الجدية والبناء والجهاد.

أمَّا "التطبيق" فقد بدأ التحول فيه بانقضاء عصر الراشدين وكان تحولًا يسيرًا، ولكنه ما فتئ مع طول الزمن يتوسع، وإن حصلت حالات أوبة، كما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز (١) -رحمه اللَّه- وغيره ممن شابهه.

إلّا أن اتساع الشقة بين المنهج والتطبيق وبين الوضع العام وذوي التأثير من أهل العلم والدين كانت تتسع رويدًا رويدًا، وبصورة بطيئة لا تكاد


(١) هو: الإمام العلامة، المجتهد الزاهد العابد الراشد أمير المؤمنين، كان من أئمة الاجتهاد والجهاد، ومن الخلفاء الراشدين، سيرته العطرة محل عبرة وقدوة، وقد جعل بسياسته الصالحة ذكرًا حسنًا لأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الأمم، وأثبت في الواقع أن الصلاح والتقوى والعلم والأمانة والعدل هي أساس الحكم الصالح الرشد، توفي عليه رحمة اللَّه عام ١٠١ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٥/ ١١٤، وتهذيب التهذيب ٣/ ٨٨، وحلية الأولياء ٥/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>