للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلفت الأنظار، ومع كل ذلك فقد بقيت الأمة في مجموعها -رغم كل هذه القواصم- معتصمة بدينها قائمة بالمقتضى الإيمانيّ والتعبديّ والتشريعيّ والأخلاقيّ والحضاريّ والتعبيريّ والاجتماعيّ لكلمة التوحيد "لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه" ذلك أن الهبوط كان في معظمه نزولًا عن القمم السامقة أكثر من كونه انحرافًا عن الجادة.

إلَّا أن سنة اللَّه تعالى في خلقه لا تتبدل، فهو -سبحانه- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد ضعفت أمم سابقة بسبب ضعف دينها، واندثرت عندما تركت الدين وأخلدت إلى الأرض، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (١).

وأمة الإسلام تجري عليها ذات السنن التي جرت على الأمم قبلها، ولكنها سلمت من الزوال التام والاندثار الكامل رغم استمرارها في خط النزول البطيء، ذلك أن اللَّه توكل بحفظها، وحفظ كتابها {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (٢).

ومن ناحية أخرى فإن هذه الأمة على الرغم من كل ما أصابها من عوامل الضعف والمرض لم تتخل عن الحكم بشريعة اللَّه طوال أربعة عشر قرنًا رغم ما حصل من شهوات مفسدة وشبهات ممرضة، وكذلك عاشت الأمة هذه الحقبة الطويلة من الزمن ولم تزل بالكلية رغم الكوارث الداخلية والخارجية التي أحاطت بها، بل كانت حتى في مسيرة هبوطها البطيئة تأتي لها صحوات عودة صاعدة، وانبعاثات تجديد مرتفعة، ومجرد بقاء أمة الإسلام هذه المدة الطويلة من الزمن على الرغم مما أصابها دليل حفظ اللَّه تعالى لها، ودليل بعث جديد نشهد اليوم ما يشبه أن يكون مولدًا جديدًا تعاني الأمة مخاضه بكل آلامه.

والناظر في تاريخ الأمة في القرون الثلاثة الفاضلة المشهود لهم بالخير


(١) الآية ٤٣ من سورة فاطر.
(٢) الآية ٩ من سورة الحجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>