أمّا الباطل فإنه لابد أن يؤلب أجناده وإن اختلفت مللهم وعقائدهم واتجاهاتهم، ولابد أن يبحث له عن جذور تسند جذعه الخاوي، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(١).
وهذا ما حدث فعلًا في قضية الحداثة، فإنها لهشاشتها وتداعي بنيانها تبحث لها عن جذور تقويها وأركان تشد من أزرها، ولو كانت هذه الجذور متباينة مختلفة متناقضة متشاكسة، فها هي تأخذ من وثنيات اليونان والبابليين، والفراعنة والهنادكة والبوذيين، والجاهليين العرب، وتنبض بنبض اليهودية والنصرانية، وتستند إلى المرتدين والزنادقة والباطنيين.
وهؤلاء جميعًا على تفرق عقائدهم وتباينها واختلافها يجتمعون في نسق الحداثة ليكونوا أصدق مثال على أن الكفر ملة واحدة في مقابل ملة الإسلام، وإزاء كل هذا نجد أن رقاب بعض أبناء المسلمين العرب انحنت أمام الفكر الغربي الحديث تحتشي منه في جوفها، وتلعق من حمأته، وتشرب من مائه الآسن شرب الهيم، فكان من قيئها على الصحف وفي الكتب وفي المنتديات وفي وسائل الإعلام ما نسمعه من دعوات علمانية وحداثية ووجودية وقومية واشتراكية وشيوعية وليبرالية وبرغماتية إلى آخر تلك الأسماء والمذاهب الشائنة الشائهة.
وقضية تأثر الحداثيين العرب بالعقائد الوثنية واليهودية والنصرانية من أوضح الواضحات، وأجلى المضامين الحداثية، في الشعر والدراسة والنقد والرواية.
وتتبع كل شواهد هذه القضية مما يعسر ويصعب، ولكن نقول قولًا إجماليًا ثم نتبعه بشيء من التفصيل، ثم بشيء من الشواهد والأدلة لإثبات الدعوى.
أمّا الإجمال فإنه يُمكن القول إنه لا يخلو حداثي من التأثر بهذه العقائد الباطلة، إمّا في مجمل اتجاهه وفلسفته، وإمّا في جزئيات عباراته ورموزه، وسوف نسوق إن شاء اللَّه جملة من الشواهد على هذا الأمر.
وأمّا التفصيل فإن الحداثيين العرب ينقسمون في الجملة إلى ثلاثة أقسام من حيث الأصل والمنبت والانتساب: