للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريعة موروثة عن نبي، ولا هم -أيضًا- مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة، كالطب والحساب ونحوها، إنّما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم، أو من الحروب.

فلما بعث اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهدى الذي ما جعل اللَّه في الأرض ولا يجعل أمرًا أجل منه وأعظم قدرًا، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية، والظلمات الكفرية، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم، زالت تلك الريون عن قلوبهم، استنارت بهدى اللَّه الذي أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدي العظيم، بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل اللَّه أليهم، بمنزلة أرض جيدة في نفسها، لكن معطلة عن الحرث، أو قد نبت فيها شجر العضاة والعوسج، وصارت مأوى الخنازير والسباع، فإذا طهرت عن المؤذي من الشجر والدواب وازدرع فيها أفضل الحبوب والثمار، جاء فيها من الحرث ما لا يوصف مثله. . .) (١).

ثم بعد كلام طويل ذكر ما يجب على من يذكر الفضائل، والمراد بتفضيل العرب أو غيرهم ممن وردت نصوص بتفضيلهم، فقال: (. . . إن الذي يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل إذ يعرف الخير، ويتحراه جهده، ليس غرضه الفخر على أحد، ولا الغمص من أحد، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي (٢) رضي اللَّه عنه، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنه أوحي إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد" (٣).


(١) اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٢) صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود سنة خمسين. انظر: تقريب التهذيب ٢/ ٩٠.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ٣/ ٢١٩٧، وأبو داود كتاب الأدب باب في التواضع ٥/ ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>