للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنهى اللَّه سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي؛ لأن المستطيل أن استطال بحق فقد افتخر، وإن كان بغير حق فقد بغى، فلا يحل لا هذا ولا هذا، فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة، مثل أن يذكر فضل بني هاشم أو قريش أو العرب أو بعضهم، فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه والنظر إلى ذلك فإنه مخطيء في هذا؛ لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمناه، فرب حبشي أفضل عند اللَّه من جمهور قريش، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل، فضلًا عن أن يستعلي بهذا ويستطيل.

وإن كان من الطائفة الأخرى، مثل العجم، أو غير قريش، أو غير بني هاشم، فليعلم أن تصديقه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أخبر وطاعته فيما أمر، ومحبة ما أحبه اللَّه، والتشبه بمن فضل اللَّه، والقيام بالدين الحق، الذي بعث اللَّه به محمدًا، يوجب له أن يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة وهذا هو الفضل الحقيقي) (١).

هكذا الكلام السديد الذي كتبه شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه، فيه رد على كلتا الطائفتين المنحرفتين: على الشعوبيين الذين يبغضون العرب ويذمونهم، وعلى القوميين العروبيين الذين يفتخرون بجنسهم وعرقهم وأنسابهم.

فأفضلية جنس العرب على جنس سائر الأمم مما يعتقده أهل السنة والجماعة، ولكن هذا شيء والافتخار بالجنس والعرق شيء آخر، وهو من أمور الجاهلية التي أبطلها الإسلام، ونهى عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلّا بالتقوى. . . " (٢) الحديث.

وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- إن اللَّه عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها


(١) اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٤٠١ - ٤٠٢.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥/ ٤١١، وذكر نحوه في مجمع الزوائد ٨/ ٨٤ وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>