للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجذرهم الفكري، فما الذي يدعو الحداثي العربي أن يتغنى بأساطير اليونان ويشيد بآلهتهم الباطلة، ويتمذهب بمذاهبهم الشكية واللاأدرية والوثنية؟.

الجواب الحقيقي على ذلك أن الحداثة العربية ليست سوى عملية نسخ فكري إلى حد التقمص، ولذلك لا تجد حداثيًا عربيًا يخرج عن هذا الإطار، ولا يتحول عن هذه الصورة الهزلية الشائنة؛ لأن الحداثيين العرب حين استنسخوا الحداثة من الغرب استنسخوا معها كل ما أحاط بها وكل ما كان في أغوارها من انحرافات وضلالات وجاهليات ووثنيات.

وانخرطوا في دائرة الاستبدال الحضاري، والأخذ الإجمالي والتفصيلي لفكر الغرب ونظرياته وفلسفاته وعقائده، وأضحوا صورة باهتة عن أولئك في أحط درجات انحطاطهم الخلقي والعقدي، وما من مجنون كنتشه أو مأبون كأندربه جيد (١) إلّا ونرى له من ضحايا الحداثة والعلمانية -من العرب- من يتبعه ويقلده ويشيد به.

هذه هي محنة الاستعارة والتقمص التي أنغمس فيها جميع الحداثيين العرب من غير استثناء.

وحتى لا يكون الكلام مجرد دعوى ملقاة على عواهنه فإنه لابد من إثباتها بالبرهان، وقد مر في الفصول السابقة ما يؤكد ذلك بالدليل القاطع، وفي هذا الفصل زيادة تأكيد، وليس هناك ما يدعو الحداثيين العرب إلى استخدام الأسطورة والوثنيات الجاهلية اليونانية أو غيرها، إلّا مجرد تقليدهم للغرب، هذا التقليد الذي أنشأ في خباياهم عقائد الإلحاد والشك والرفض والتدمير، ومواجهة الدين الإسلامي، والسعي في مناقضته بشتى السبل والوسائل، لاسيما أنه جاء لتدمير الوثنيات ومحو الجاهليات، فلا جرم أن يكون المتشبعون بعقائد الجاهلية القديمة والمعاصرة أعداء للدين الذي هدم بنيان الوثنية وحطم أصنامها وأعلامها وأباد خضراءها.


(١) أندريه جيد، كاتب وشاعر فرنسي شهير، يعتبره الحداثيون أسوة لهم، وعلامة متميزة في مسيرة الحداثة، معروف بالشذوذ الجنسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>