للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الشعر العربي الحديث، أضف إلى ذلك كله أن للأسطورة جاذبية خاصة؛ لأنها تصل بين الإنسان والطبيعة وحركة الفصول وتناوب الخصب والجدب، وبذلك تكفل نوعًا من الشعور بالاستمرار، كما تعين على تصور واضح لحركة التطور في الحياة الإنسانية، وهي من ناحية فنية تسعف الشاعر على الربط بين أحلام العقل الباطن ونشاط العقل الظاهر، والربط بين الماضي والحاضر، والتوحيد بين التجربة الذاتية والتجربة الجماعية، وتنقذ القصيدة من الغنائية المحض (١)، وتفتح آفاقها لقبول ألوان عميقة من القوى المتصارعة والتنويع في أشكال التركيب والبناء.

لهذه الأسباب ولغيرها ذهب الشاعر الحديث -في توق محموم- يبحث عن الأسطورة، ويعتمدها أنى وجدها، لا يعنيه في ذلك أن تكون بابلية "عشتاروت تموز" أو مصرية "أوزوريس" أو حثية "أنيس" أو فينيقية "أدونيس، فينيق" أو يونانيَّة "أورفيوس، برمثيوس، عولس، أودميس، ايكار، سيزيف، اوديب. . . إلخ" أو مسيحية "المسيح، لعازر، يوحنا المعمدان" (٢) بل إنه ذهب إلى بعض حكايات الجاهلية ورموزها الوثنية (زرقاء اليمامة، اللات)، وعامل القصص الإسلامية على المستوى نفسه مثل قصة الخضر (٣) وحديث الإسراء (٤)، والمهدي المنتظر (٤) (صاحب الزمان) واتخذ من كل ذلك رموزًا في شعره،


(١) هكذا والصواب المحضة أو الغنائي المحض.
(٢) لاحظ هنا كيف أدخل شخصيتي عيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام في الأساطير النصرانية، أي أنهما لا حقيقة لهما بل هما أساطير، وهذا تكذيب صريح لما ثبت في الكتب السماوية السابقة، وما ثبت في الكتاب الخاتم المهيمن القرآن العظيم، ومن الغريب أنه ذكر الحقائق أساطير، ولم يذكر الأساطير الحقيقية مثل الصلب والفداء والخطيئة والتكفير والخلاص وغير ذلك، فهل هذا مقصود أم مجرد جهل؟ ستأتي إجابة ذلك في الفصل الخاص بالنبوات إن شاء اللَّه.
(٣) و (٤) لاحظ أيضًا كيف ساق هذه مساق الأسطورة وإن لم يصرح بذلك كما صرح في شأن المسيح ويحيى عليهما السلام، غير أنه يبين أن الحداثي العربي عامل القصص الإسلامية -هكذا سماها- معاملة الأسطورة، مع العلم أن الخضر عليه الصلاة والسلام حقيقة وكذلك حادثة الإسراء والمعراج، وكذلك المهدي المنتظر الذي خلط في تعريفه بين تسمية أهل السنة للمهدي، وتسمية الشيعة لمهديهم وصاحب الزمان، المعصوم =

<<  <  ج: ص:  >  >>