والخروج من حال الضعف والتفكك والتخلف، وأيم اللَّه أن هذا القول من أعظم الكذب والمخادعة والتدليس، ومناقضة العقل والواقع والتاريخ، وإلَّا متى كانت الأساطير والوثنيات التي فرقت الإنسانية وشتت الإنسان وأبعدته عن طريق الخير، وأركسته في الضعف والتفكك والتخلف، متى كانت سببًا لنهضته ويقظته وسعادته؟.
وها هو التاريخ يشهد في كل صفحاته أن سقوط الإنسان وانحداره حصل منذ أن ارتمى في الوثنيات والأساطير، ثم ها هو الواقع اليوم يشهد على ذلك، ولكن الأعين العمي والبصائر المطموسة لا يُمكن لها أن ترى الحقائق ولو كانت مثل الشمس في ضحى النهار.
ويلخص إحسان عباس الاتجاه الأسطوري الذي امتطى الشعر العربي الحديث، ويذكر أسباب ذلك في لهجة تبريرية أقرب إلى الأسلوب الدعائي، وإن كان قد انتقد إدخال الأسطورة واستخدامها في غير موضعها، وهو نقد يتجه نحو كيفية الاستعمال وليس على المبدأ ذاته، ثم بين دلالات الأسطورة، فقال: (ويعد استغلال الأسطورة في الشعر العربي الحديث من أجرًا المواقف الثورية فيه، وأبعدها آثارًا حتى اليوم؛ لأن ذلك استعادة للرموز الوثنية واستخدام لها في التعبير عن أوضاع الإنسان العربي في هذا العصر، وهكذا ارتفعت الأسطورة إلى أعلى مقام، حتى إن التاريخ قد حول إلى لون من الأسطورة لتتم للأسطورة سيطرتها الكاملة، لماذا تم كل ذلك؟، ثَمّة أسباب كثيرة ربما كان في أولها -وإن لم يكن أقواها- التقليد للشعر الغربي الذي اتخذ الأسطورة منذ القديم سداه ولحمته، وأنَّه منذ دراسة جيمس فريزر في "الغصن الذهبي" للأسطورة، ومنذ دراسة فرويد ويونج لدورها في اللاوعي الإنساني، انهارت الحواجز التي كانت تقوم دون تقبلها