للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الكتاب نفسه ينادي بتقليد الغرب ويستنكر على الذين يأخذون التقنية ويرفضون الأفكار والفلسفات والإبداعات (١)، فإذا كان عنده لا يصح أن يكون في مفهوم النهضة ما يُمكن أن يشير إلى التقليد فلم ينادي بتقليد الغرب؟!.

إن الحقيقة خلف هذه المناداة أنه يريد فصل الأمة عن أصولها، عن الوحي وعن التراث وعن التاريخ باسم أن التقليد لا يوافق النهضة.

وهذا ما انشق به فؤاده وقذف به قلمه وفي الكتاب ذاته قرر أنه لا حرية للإنسان إلا بهدم الشريعة والغيبيات وما هو أعظم منها حيث قال متسترًا خلف صنوه وأستاذه جبران: (لا يستطيع الإنسان، كما يرى جبران في "المجنون" وفي نتاجه كله أن يصبح نفسه إلا إذا هدم كل ما يعادي حريته الكاملة وتفتحه المليء، وما يقف حاجزًا، دون طاقته الخلافة، وتتجسد هذه القوة المعادية، كما يرى جبران، فيما يسميه "الشريعة" بتنوعاتها وأشكالها السلطوية، الماورائية والاجتماعية "اللَّه" بالمفهوم التقليدي، الكاهن، الطاغية، الإقطاعي، الشرطي) (٢).

وفي موضع آخر لم يتستر خلف جبران ولا غيره ففاضت أفكاره الردية بهذا القول: (ولا حرية للعربي في هذا الضياع العام إلا حرية الخضوع للسلطة السائدة وايديولوجيتها: "نعم" لكل شيء تقوله أو تفعله السلطة، هي المعادل المدني الأرضي لـ "آمين" كلمة الخضوع لكل ما يأمر به اللَّه، ولا يفيد هنا تحرر العربي على الصعيد العام أو السياسي وحده، مع أنه لم يتحرر بعد، وإنَّما يجب أن تتحرر على الصعيد الخاص من القمع الخاص، فكل تحرير لايتناول العام والخاص معًا، في حياة الفرد العربي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الاغتراب، إن التحرر السياسي بتعبير آخر إذا لم يرافقه تحرر من الايديولوجية (٣) التقليدية، ليس تحررًا) (٤).


(١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ٢٣٨، ٢٦٨.
(٢) المصدر السابق: ص ١٨١.
(٣) المراد هنا العقيدة وما يتبعها من التزام.
(٤) المصدر السابق: ص ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>