فمن هنا بدأت هذه الألفاظ الأربعة تأخذ طريقها إلى ألسنة هذه الطائفة من الشعراء المحدثين، مقرونة بالجملة المبدِّدة لموازنة الشعر القديم، فكان المسلمون من هؤلاء الشعراء، إنّما يستعملون هذه الألفاظ لظنهم أنها جزء متمم لجدة الشعر، والإحساس بواقع الحياة التي يعيشونها، بما فيها من آلام الحيرة والضياع والاستبداد والمخاوف، فكان لهذه الألفاظ الجديدة سحر في نفوسهم، فاتخذوها تقليدًا، بلا فهم لما تنطوي عليه من الدلالات، وكلما نشأ ناشيء منهم، قام له من يثني عليه ويتوجه ويذيع بشعره، حتى يجتذب إلى تقليده آخرين، وتفشت الكلمات وطال عليها بعض الأمد، فلما جاء الاعتراض عليها، التمسوا تفسيرًا لهذه الألفاظ المقلدة التي لا صدى لها في نفوسهم، فقالوا: هي "رمز" فإذا سألتهم: رمز لماذا؟، ولم كانت هذه الأربعة دون غيرها هي الرموز؟ لم يحيروا جوابًا إلّا كالجواب الذي أسلفنا ذكره، بما فيه من المغالطة، فالأمر كله مبني على تقليد مجرد، لا قيمة له. . .) (١).
هذا النص الثمين نقلته مطولًا لما يحتويه من كلام سديد في وصف حالة الاستعارة النصرانية عند أبناء المسلمين من الحداثيين، ووصف حالة التقمص التي يعيشونها، وأسباب المحاكاة الآثمة التي تردوا في حضيضها.
وهو قول جزل في مناقشة هذا النوع من الانحراف، ويُمكن أن يقاس عليه الأنواع الأخرى من الانحرافات المستعارة، وثنيةً قديمة أو مادية معاصرة.
بيد أن الشيخ محمود حصر كلامه في أربع ألفاظ من ألفاظ النصرانية المتداولة في الأدب الحديث، وذلك لكونها الأشهر والأكثر في الاستعمال، ثم لكونها من أسس العقيدة النصرانية، والمتأمل في نتاج الحداثيين يجد أنهم أفرطوا في استعمال هذه الألفاظ وغيرها من الألفاظ والرموز والمعاني والأسماء والرسوم النصرانية.