بأسطورة تموز، وهذه سهلت عليه الانتقال إلى رمز المسيح، إذ كان ذلك نقلة من فكرة فداء إلى فكرة فداء) (١).
فالسياب لما ترك الشيوعية المادية، مال إلى الأخذ بالدين، أي دين، أما الإسلام فحسب ما وصف إحسان عباس فقد تعلق بالصفحة الإسلامية من القومية العربية، أي أنه لم يتعلق حقيقة بالإسلام، بل بصورة مشوهة عنه، وحتى في هذا، فإنه كما وصف عباس اجترأ على المقدسات الإسلامية واستخف بها، أمّا الدين النصراني فقد تابع "أديث سيتول" وأخذ عنها وقلدها وكرر مثلما كررت، وأطنب مثلما أطنبت، ثم دخل مع عصابة "شعر" وتلون بلونهم، وقد مر معنا أنهم كانوا يتبنون النصرانية والفينيقية ويعادون الإسلام والمسلمين والعرب واللغة العربية، وينادون بالمتوسطية إبحارًا نحو الغرب.
أمّا قول إحسان عباس بأن الصور النصرانية جرت على قلمه دون تفكير عميق فيما تعنيه من الزاوية الدينية، فهذا غير صحيح على الإطلاق، وسوف يأتي من شواهد شعر السياب ما يؤكد أنه كان يورد الأسماء والرموز بمضامينها الاعتقادية والفكرية النصرانية، وعلى الرغم من التفات إحسان عباس إلى هذه النواحي الدينية في هذه الدراسة، إلّا أنه فاه بأمر عظيم حين قدم مسألة الإيمان الفني على ما سواه، أي: أن يهتم بالقضية الفنية وما عليه من القضايا الاعتقادية والفكرية، وهذا زلل كبير وخطل، وتقديم الذي هو أدنى على الذي هو خير.
ثم يورد إحسان عباس نموذجًا للتكيف الطوعي الذي أبداه السياب للالتقاء مع مجلة شعر ونصارى حركتها المريبة، وهي المحاضرة التي ألقاها في أمسية دعته المجلة إليها في بيروت حيث طغى النغم الديني على تلك الكلمة، ذلك النغم الديني الذي تحدث به السياب عن تصوره للشاعر من خلال رؤيا القديس يوحنا، وغير بعيد عن هذا الجو نفسه أن تكون القصيدة
(١) بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره لإحسان عباس: ص ٣٠٦.