الفاحشة سفاحًا، ولا يصح له أن يحتج بأنني لم أرد المدلول المعروف لهذا اللفظ؛ لأن هذه سفسطة تمجها كل العقول.
وعودة إلى السياب واستعمال الرموز النصرانية، يقرر إحسان عباس أن هناك دوافع عديدة حفزته لهذا الاتجاه، منها انفصاله عن الحزب الشيوعي، فكان في حاجة إلى تبني مشاعر جديدة تعوض اهتزاز المقاييس المادية، فتعلق بالصفحة الإسلامية من القومية العربية.
ولكن ماديته القديمة كانت تجعله جريئًا في التعبير عن بعض المقدسات باستخفاف، وأحس بالحاجة إلى الإسعاف في الهرب من التكفير المادي، (ووقع في تلك الأثناء بشدة تحت تأثير "اديث سيتول"(١) وتكرارها الممل للصور المسيحية، ولكنه بدلًا من أن يشعر بالملل من ذلك التكرار شعر بيسر الاستعارة لتلك الصور، وبسهولة جريانها على سن قلمه، فاحتذاها دون تفكير عميق فيما قد تعنيه من الزاوية الدينية، ثم تم في سياق تلك الحال النفسية اتصاله بمجلة "شعر" البيروتية، وقد كان بدر يحس عندما اقترب من تلك المجلة أنه يدخل حومة "شعائر" جديدة -إن صح التعبير-، وأن عملية "الارتسام" هذه تتطلب قسطًا من المشاركة في اللون والسمة والفكرة، وقد عرفنا فيه من قبل نماذج من هذا التكيف الذي يشير إلى أن "النواة الصلبة" في شخصيته كانت مفقودة، وسمينا هذه النزعة ميله إلى المراضاة، والميل إلى المراضاة حين يصيب الأعماق لا يغدو وحسب "حربائية" بغيضة، بل يتجاوز التلون الظاهري إلى أمور في صميم الفكر والعقيدة، وحينئذٍ يمس فيما يمسه حقيقة إيمانه الفني، وذلك هو ما يهمنا في هذا المقام دوان سواه.
وحين تم ارتسام السياب في أسرة "شعر" كانت لديه بوادر الإحساس
(١) اديث سيتول، ويقال: أيدت سيتويل شاعرة وناقدة إنجليزية أسهمت في حركة التجديد الشعري متحدية كل التقاليد الأدبية بعامة، والشعرية بخاصة، وقد تأثرت بالمدرسة الرمزية الفرنسية ولدت عام ١٣٠٥ هـ/ ١٨٨٧ م. انظر: الصراع بين القديم والجديد ٢/ ١٢٩٢.