للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣)} (١).

ويتفرع على هذه الأمور الثلاثة كل ما يتعلق بتوحيد اللَّه بأفعاله -جَلَّ وَعَلا (٢) -، ومن جحد أو شك في شيء من هذا فهو كافر لا حَظَّ له في الإسلام.

وهذا القسم من أقسام التوحيد لم ينازع في أصله أحد من بني آدم، إلّا ما حصل في بعض تفاصيله فى الأقدمين من مجوس وثنوية ودهرية وأمثالهم من ضلال المتفلسفة والمعتزلة (٣).

أمّا مشركوا العرب فكانوا يقرون بتوحيد الربوبية، كما أخبر عن ذلك اللَّه العظيم في كتابه الكريم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. . .} (٤)، ولكن هذا لم ينفعهم لأنهم كانوا يشركون غير اللَّه مع اللَّه في العبادة والانقياد.

أمّا ملاحدة هذا العصر فهم ينكرون وجود اللَّه أصلًا ويجحدون تبعًا لذلك كل قضايا الربوبية من خلق وملك وتدبير، وما يتفرع عنها، كما سوف يأتي من كلامهم في هذا الشأن.

ومما يتعلق بتوحيد الربوبية قضية وجود اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- وهو أمر مركوز في الفِطَر والأدلة على وجوده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- لا تحصى، وعددها كعدد المخلوقات؛ إذ كل مخلوق يحمل أدلة تدلنا على خالقه وموجده وبعض صفاته، وأول شيء يقال هنا بأن العدم لا يوجد شيئًا، ومن المستحيل أن يفعل العدم شيئًا؛ لأنه لا وجود للعدم، وثانيًا إذا نظرنا في المفعولات وجدناها مرآة لبعض قدرة الفاعل وبعض صفاته، وهناك علاقة محكمة بين المصنوع والصانع والفعل والفاعل، إذ لا يُمكن أن يكون شيء في المصنوع أو الفعل إذا كان الصانع أو الفاعل لا يَملك قدرة أو صفة تمكنه من فعل ذلك الشيء في مصنوعه أو فعله.

ولا يستطيع أحد أن يزعم أن حيوانًا لا يعقل أطلق قصرًا صناعيًا يدور


(١) الآية ٣ من سورة يونس.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٤، ٣٧، والفتاوى السعدية: ص ٨ - ٩، وعلم التوحيد للربيعة: ص ٧، والإيمان لمحمد نعيم ياسين: ص ٧، والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين ١/ ١٦ و ٨/ ٢ - ١١، والكليات لأبي البقاء الكفوي: ص ٤٦٦، وتفسير الطبري ١/ ١٤١.
(٣) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١/ ٣٨.
(٤) الآية ٢٥ من سورة لقمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>