للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حول الأرض؛ لأن الحيوان لا يَملك القدرة على إطلاق ذلك القمر.

فإذا طبقنا مبدأ أن العدم لا يخلق شيئًا وشاهدنا ملايين الملايين من المخلوقات والأحداث التي تحدث كل يوم في هذا الكون جزمت عقولنا بأن لكل فعل منها فاعلًا؛ لأن العدم لا يخلق شيئًا، وإذا طبقنا مبدأ أن الفعل مرآة لبعض قدرة فاعله وبعض صفاته وجدنا أن المخلوقات والأحداث التي تحدث في الكون محكمة في نظامها تشهد أنها من صنع حكيمٍ، موجهة في سيرها تشهد أنها من صنعِ مريدٍ، متناسقة في أعمالها تشهد أنها من صنعِ عليمٍ واحدٍ أحدٍ، خاضعة لنظام موحد تشهد أنها من صنع حاكم مهيمن، فتجزم العقول بأن خالق هذه المخلوقات موجود متصف بالإرادة والعلم والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال، وإذا نظرنا في المخلوقات كالسماوات والأرض والشمس والقمر وغيرها مما يدركه الحس نجد أنه لا شيء منها يتصف بأنه واحد أحد حاكم مهيمن، له إرادة مطلقة، ومشيئة نافذة وحكم مستمر وحكمة عامة وعلم شامل، إذن الذي خلقها وأوجدها هو وحده الذي يتصف بذلك (١)، وليست الطبيعة الخاضعة المخلوقة البائدة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)} (٢)، وقال -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)} (٣).

وإذا كانت قضية وجود اللَّه من المسائل المسلم بها فيما مضى، فإن العصر الحاضر غلب فيه الإلحاد على أهل الكفر المعاصرين، أمّا في الزمان الغابر فقد كان الانحراف يتمثل في الشرك، والمشرك يعرف أن هناك إلهًا خالقًا لهذا الكون ولكنه يشرك به في العبادة، فيتوجه إلى آلهة أخرى مع اللَّه أو من دون اللَّه فيقدم لها العبادة والعداء، أو يتبع أمرها بالطاعة أو بالمحبة والولاء.

أمّا الملحد -كما في الاصطلاح المعاصر- فهو ينكر وجود اللَّه تعالى، وهذا الذي غلب على كثير من أصحاب المذاهب الفلسفية والسياسية والأدبية


(١) انظر: توحيد الخالق لعبد المجيد الزنداني ١/ ٢٠ - ٢٥، وكتاب الإيمان للزنداني أيضًا: ص ٢٣ - ٢٦.
(٢) الآية ١٨٥ من سورة الأعراف.
(٣) الآية ٢٤ من سورة الحشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>