والفكرية المعاصرين؛ وسبب ذلك غلبة الصادية فكرًا وحياة وممارسة على هؤلاء، وانحصارهم في دائرة المحسوس، وتمادي الغفلة والجهالات الفكرية بهم إلى الحد الذي أنكروا فيه ما وراء الحس إنكارًا تامًا، وزعموا أن كل ما كان خارج الحس فهو غير موجود، وهذا انطماس غير عادي في البصيرة والعقل، يؤدي إلى تأليه المحسوس وحده، ونفي وجود اللَّه وسائر الغيبيات.
ومن أسبابه ذلك الدور الخطير الذي قامت به الكنيسة في إفساد دين النصرانية المنزل من عند اللَّه، حيث ألهت البشر وجعلت الإله ثلاثة، وأبطلت حكم اللَّه وشريعته، وكانت هذه الأفاعيل من الكنيسة مقدمة للإلحاد والخروج عن الدين بكامله في أوربا، ثم ما قامت به الكنيسة -التي أصبحت منارًا للشرك والجهالات- من حربٍ للعلم والعقل والتجربة وذلك لخوفها على مكانتها عند الناس الذين سيكتشفون أن هناك حقائق غير الذي تقوله الكنيسة.
ثم لأن العلوم التجريبية جاءت من احتكاك الأوروبيين بالمسلمين فكان العلم المنافس للكنيسة علم المسلمين، وهذا محل خطورة على الكنيسة من الإسلام نفسه الذي سوف ينتشر في أوروبا مع الحركة العلمية المنقولة عن المسلمين؛ لذلك قامت بحرب شرسة ضد العلماء الأوروبيين المتأثرين بالمسلمين، وهذا سبب آخر بُذرت به بذور العداوة بين العلم التجريبيّ والدين، وما لبثت هذه البذور تنمو حتى أثمرت على مر العصور قطيعة تامة مع الدين، ومحاربة له وخروجًا عليه بالكلية، حتى أنهم وصلوا إلى أن البحث العلميّ يجب أن يخلو من أي ذكر للَّه تعالى؛ لأن مجرد ذكر اسمه تعالى في البحث العلميّ يفقد هذا البحث طابعه العلميّ حسب زعمهم الماديّ.
إضافة إلى ما فعلته الكنيسة من إفساد لدين اللَّه المنزل على عيسى -عليه الصلاة والسلام- وموقفها العدائي للعلم والتجريب، فقد مارست أنواعًا من الطغيان، وأفسد رجال الدين النصرانيّ بعسفهم وظلمهم وتعديهم على عقول الناس وأموالهم وأجسادهم وحقوقهم فسادًا عظيمًا كان سببًا في ظاهرة الإلحاد المتزايدة اليوم في أوروبا والغرب.
فقد فرضت الكنيسة ورجال الدين النصرانيّ على الناس أموالًا يقدمونها للكنيسة إلزامًا ليأخذها الرهبان -الذين يدّعون الزهد والنسك!! - خالصة لأنفسهم ليعيشوا بها في بذخ لا يحلم به المترفون، وفرضت الكنيسة على الناس العمل مسخرين في فلاحة الأراضي التي تملكها الكنيسة يومًا في كل أسبوع سُخْرة بغير