أجر ولا ثَمن، وفرضت الكنيسة ورجال الدين على الناس الخضوع والتذلل للرهبان، فإذا مر أحدهم وجب على الناس أن ينحنوا حتى تلتصق جباههم بالأرض ولو كانوا في الطين والوحل، وألزمت الناس بأفكار محددة عن الكون، مخالفة للحقائق العلمية الثابتة، وحكمت بكفر وإلحاد من خالف هذه الأفكار.
أمّا احتكارها لحق الصلة بين الإنسان وربه فكان من أبشع الممارسات التي جعلت الناس فيما بعد يثورون على الكنيسة ورجال الدين بل على الدين كله.
فكانت جلسة الاعتراف أمام الكاهن هي الطريق الوحيد للتوبة ونيل رضوان اللَّه، ولا خلاص من الذنوب إلّا بهذا العمل، ولا يُمكن للإنسان أن يدعو ربه أو يعبده إلّا من خلال هذه الواسطة التي احتكرها رجال الدين النصرانيّ لأنفسهم، فاستعبدوا الناس وأذلوهم وحطموا مقومات الشخصية الإنسانية فيهم، ومارسوا عليهم المهزلة المهينة المسماة بصكوك الغفران، مقابل أموال ينالونها من الناس، ثم جاءت قاصمة الظهر حين قام الناس في أوروبا في العصور الحديثة بالمطالبة بحقوقهم التي سلبها الأباطرة والإقطاعيون والملوك، فوقفت الكنائس ورجال الدين إلى جانب الظالمين والمستبدين، وأصدروا الفتاوى الدينية في حق من تمرد على الاستعباد وطالب بالحقوق، بأنه قد مرق من الدين واستحق غضب اللَّه، فكانت غضبة الجماهير عاصفة قوية ونفورهم من الكنيسة ورجالها وبالتالي من الدين وما يتصل به نفورًا قويًا، قاد إلى الإلحاد والمادية والشهوات البهيمية التي انحطت فيها أوروبا والغرب اليوم.
هذه بعض الأسباب التي أدت إلى الإلحاد الذي انتشر اليوم، وقامت على فكرته الضالة سياساتٌ ودولٌ ومدارسُ ومناهجُ وجامعاتٌ تقوم على تدريسه وتأصيله ونشره، وتلقاه بعض أبناء المسلمين وتأثروا به فنقلوه في كتاباتهم وأفكارهم وممارساتهم وسعوا في بثه والدفاع عنه، مع أن واقع المسلمين في دينهم منهجًا وعملًا مخالف تمام المخالفة لما كانت عليه أوروبا في دينها وحياتها الاجتماعية والسياسية، ومع ذلك فقد تلقى هؤلاء الأتباع هذا الإلحاد بحماس أشد من حماس أصحابه الأصليين، وطفقوا