للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأليوت كلمات قوية في تأييد الاستعمار والنصرانية، يقول فيها: (والأشارة إلى الضرر الذي أصاب الثقافات الوطنية في أثناء التوسع الاستعماري ليس إدانة للاستعمار نفسه بحال، كما يحب دعاة تفكك الاستعمار أن يستنتجوا، بل إن أعداء الاستعمار هؤلاء أنفسهم هم في معظم الأحيان أكثر المؤمنين بتفوق المدنية الغربية اطمئنانًا في إيمانهم، بوصفهم أحرارًا، وهم يجمعون في وقت واحد بين العمى عن فوائد الحكم الاستعماري، وعن ضرر تحطيم الثقافة الوطنية، وحري بنا حسبما يرى هؤلاء المتحمسون أن نقحم أنفسنا على مدنية أخرى ونجهز أفرادها بمبتكراتنا الميكانيكية ونظمنا في الحكم والتعليم والقانون والطب والمالية، ونوحي إليهم احتقار عاداتهم، واتخاذ موقف مستنير من الخرافات الدينية، ثم نتركهم لينضجوا في الخليط الذي أغليناه لهم) (١).

ويرى أليوت أن الثقافة والنظم والقوانين والفنون الموجودة في أوروبا كلها انبثقت من النصرانية، يقول: (في المسيحية نمت فنوننا، وفي المسيحية تأصلت -إلى عهد قريب- قوانين أوروبا.

وليس لتفكيرنا كله معنى أو دلالة خارج الإطار المسيحي.

وقد لا يؤمن فرد أوربي بأن الإيمان المسيحي حق، ولكن ما يقوله ويصنعه ويأتيه كله من تراثه في الثقافة المسيحية، ويعتمد في معناه على تلك الثقافة، وما كان يمكن أن تخرج فولتير أو نيتشه إلّا ثقافة مسيحية، وما أظن أن ثقافة أوروبا يُمكن أن تبقى حية إذا اختفى الإيمان المسيحي اختفاءًا تامًا. ولا يرجع اقتناعي بذلك إلى كوني مسيحيًا فحسب، بل أني مقتنع به أيضًا بوصفي دارسًا لعلم الأحياء الاجتماعي، إذا ذهبت المسيحية فستذهب كل ثقافتنا) (٢).

ويضرب أليوت أمثلة بالمذاهب الأدبية التي نشأت في أوروبا حيث


(١) المصدر السابق: ص ١٩٩ - ٢٠٠، نقلًا عن كتاب لأليوت بعنوان "ملاحظات نحو تعريف الثقافة" ص ١٠٩ ترجمة شكري عياد، المؤسسة المصرية العامة - القاهرة.
(٢) المصدر السابق: ص ٢٠٠ نقلًا عن كتاب أليوت المذكور: ص ١٤٥ - ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>