للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرر أن الكلاسيكية مرتبطة بالكاثوليكية التي تؤمن بسلطة روحية خارج الفرد، وأن الرومانسية مرتبطة بالبروتستانتية التي تعتقد بالصوت الباطني (١).

وإذا كانت قصيدة أليوت "الأرض اليباب" التي نالت من الشهرة والمكانة عند الحداثيين المنزلة الكبرى، وأصبح الاحتذاء بها والسير على منهجها وتقليد أساطيرها ورموزها النصرانية صرعة الحداثيين، وميدان تنافسهم في المحاكاة الشكلية والموضوعية.

قصيدة الأرض اليباب أو الأرض الخراب هي عبارة عن تصوير لخواء الحياة في الغرب، لتركهم الحياة النصرانية (وقد كان أليوت يؤمن أن الحضارة الغربية حضارة مسيحية، إذ أن الأرض الخراب هي نفسها أسطورة الأرض التي حلت بها اللعنة، وبات ملكها عاجزًا جنسيًا أمام شهوة زوجته، وكان على أحد المنقذين أن يعود إلى الكنيسة، ليصل إلى الكأس المقدسة، كأس الإخصاب الطبيعي والحضاري والروحي، فيرفع اللعنة عن الملك العقيم وزوجته الأرض المجدبة، إلّا أن "تيرزياس" بطل قصيدة "أليوت" لا يصل إلى هذه الكأس؛ لأنه افتقد الإيمان بالكنيسة والمسيح، فلا يبقى هنالك إلّا لعنة "الأرض الخراب") (٢).

هذا ملخص لفكرة ومضمون قصيدة أليوت التي ذاب الحداثيون فيها تقليدًا واستعارة وتقمصًا.

ولا ريب أن أليوت وقصيدته كانت نموذجًا نصرانيًا كما قال روزنتال عن أليوت، وعن قصيدته (إن صوفيته الفكرية، وإيمانه بالعدل المطلق للعناية الإلهية واهتمامه باللاهوت بوجه عام، واتجاهاته الفلسفية قد برزت بروزًا هائلًا بسبب ما أضفى عليها من اهتمام زائد، فقصيدة "الأرض اليباب" يُمكن، بل يجب، أن تقرأ على أنها موعظة مسيحية مستترة و"القصائد الأربع" على أنها تأملات دينية صريحة) (٣).


(١) المصدر السابق: ص ٢٠١، وانظر عن الرومانسية وجذورها النصرانية في المصدر نفسه: ص ١٠٣، ١٢٢، وعن الكلاسيكية وأصولها النصرانية فيه أيضًا: ص ٢٠١.
(٢) الحداثة الأولى: ص ١١٨. وانظر: الاتجاهات الجديدة: ص ١٣٩.
(٣) في النقد الحديث: ص ٢٠٥ - ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>