للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وها هى مجلة (شعر) التي تعد أبرز حركة حداثية وأعمقها تأثيرًا في مسيرة الفكر الحداثيّ تعلن بصراحة اندماجها الكامل في النموذج الثقافيّ الفكريّ الغربي، في محاولة مكشوفة وصريحة لأوربة الشعر الحديث (١)، في مضامينه وأفكاره وعقائده، تمهيدًا لإنزال ذلك في سائر نواحي الحياة، وقد استوعبت مجلة (شعر) النموذج الغربيّ أعمق استيعاب، ثم جاءت به منقولًا بكامله لغرسه في أحشاء الحياة العربية، على أساس أن العودة إلى أوروبا والغرب هي عودة إلى الأصول التاريخية والثقافية في فينيقيا وما بين النهرين (٢).

يقول محمد جمال باروت (٣) -وهو حداثي كبير شهير- في معرض حديثه عن مجلة (شعر) ومجموعة الشعراء التموزيين (٤): (أن لكل منهم دمّله وأزماته وأحلامه، ولكل منهم في الآن ذاته وعيه وحساسيته وموهبته، وعانوا جميعًا من تعدد الانتماءات، وأسهمت في تكون وعيهم أصول ايديولوجية مختلفة ومتناقضة وكانوا جميعًا يتوقون إلى المعاصرة، ولأن يلتحقوا بركب الحضارة وينخرطوا في سلك الشعراء العالميين، ويقولون بعمق العلمنة والتحديث وبلبرالية (٥) الفكر والحوار، وبالالتصاق بالتيارات الأكثر طليعية في


(١) و (٢) انظر: الحداثة الأولى، لمحمد جمال باروت: ص ١١٠.
(٣) محمد جمال باروت، ناقد من سورية، يعمل مدرسًا للغة الفرنسية فى حلب، ويكتب في النقد الأدبيّ، من وجهة نظر حداثية، مطلع على الحداثه العربية وتاريخها ومدارسها، مؤيد لها منافح عنها، لا يخلو كلامه من غمز في الإسلام واستخفاف به، ومناقضة لقضاياه. انظر: مجلة الناقد، العدد العاشر ١٩٨٩ م.
(٤) نسبة إلى (تموز) وهو وثن آشوريّ بابليّ كانوا يعتقدون أنه رب المحاصيل والإنبات وأنه يموت كل شتاء ويولد في كل ربيع، وأنه كان زوجًا لعشتار أو عشيقها. انظر: معجم الأساطير: ص ٢٣٦، وقد شغف الحداثيون بهذا الرمز الوثني ومثلت أسطورته المثل الأعلى لهم فانتسبوا إليه وجعلوه مثالًا للحضارة والتجدد والانبعاث وتظهر هذه الأسطورة لديهم في رموز وثنية أخرى منها: عشتار وأدونيس وأفروديت وأوزيريس وايزيس والبعل. انظر: الحداثة الأولى: ص ١٦٣ - ١٦٤.
(٥) الليبرالية مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد، وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله شرط المعاملة بالمثل، والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الإيديولوجية والتنظيمية الحزبية، =

<<  <  ج: ص:  >  >>