وتمثل كتابات نجيب محفوظ في عبارة جامعة "الضياع" ففي رواياته الشحاذ وثرثرة فوق النيل وميرامار والمرايا يبدو المثقفون وكأنهم كائنات ضائعة هاربة من الواقع في الحشيش أو الجنس، وتبدو كذلك شخصيات أنانية إلى حد المرض، وقد قال:"رواياتي تنبع من ماء الهزيمة الآسن"، وبطولاته أحد اثنين: أناس لا يعيشون وأناس يحيون بفضل الانحراف والجريمة.
وقد اتهمه لويس عوض في محاضرة بإحدى الجامعات الأمريكية أنه باع نفسه للناصريين فكرمه النظام الناصري، وكان الثمن هو تشويه ثورة ١٩١٩ وزعيمها سعد زغلول حتى لا تبقى على سطح التاريخ السياسي لمصر في القرن العشرين سوى ٢٣ يوليو. وقال نجيب محفوظ: أنا لم أبع نفسي لأحد ولم يطالبني أحد ذلك.
- سأله أحدهم: أثار الناصريون في الفترة الأخيرة أنك انضممت إلى توفيق الحكيم واليمين في مهاجمة جمال عبد الناصر وعصره ومنجزاته في رواية الكرنك مع أنك نلت في عصر عبد الناصر أعلى جوائز الدولة وأعلى المناصب الرسمية (درجة نائب وزير) وعشت في عصر عبد الناصر دون أن يوجه إليك نقد، فما سر حملتك في روايتك الكرنك؟ قال: الكرنك تدين الإرهاب لا المنجزات، وقد كانت رواياتي كلها نقدًا للعصر، لقد تبين لي أن العهد يبني بيد ويهدم بالأخرى وأنه سلم مؤسساته إلى أناس بلا كفاءة ولا خلق ينغمس قادتها في الترف والثراء، تنكل باهل الرأي من مخالفيها تنكيلاً وحشيًا وتشهر سيف الرعب والإرهاب، تزج بنفسها في مغامرات دون اعتبار لقوتها الحقيقية، وتأتي النتيجة رهيبة فقد هزمنا شر هزيمة في تاريخنا كله وتتركنا بلا آمال ولا كرامة، وهكذا برز نجيب محفوظ تحوله من تأييد عصر كان فيه من أبرز دعاته.