للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه السياسة التغريبية التي نهجها محمد علي والمفروضة قهرًا على المسلمين كانت تنفيذًا للمخطط الصليبي الذي عجزت الحملة الفرنسية عن تنفيذه بسبب اضطرارها إلى الرحيل كما سبق وذكرنا.

وهو أمر أكده المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي في قوله: "كان محمد علي ديكتاتورًا أمكنه تحويل الآراء النابليونية إلى حقائق فعالة في مصر" (٢).

وهل يشك باحث عاقل بعد كل هذه الحقائق التي أوردناها أن محمد علي كان صنيعة من صنائع الغرب وعميلاً من عملائهم.

وسواء أكان وصوله إلى سدة الحكم نتيجة تخطيط صليبي أو على الأخص تخطيط فرنسي أو كان نتيجة لدهاء محمد علي ومكره ونفاقه أو كان للأمرين معًا (٣)، فإن هذا كله لا يغير شيئًا، ولا ينفي أن محمد علي قد احتوته الدول الغربية، وأخذت تقوده في ركابها، خصوصًا وأن فيه من الصفات والخلال التي ينشدها المستعمرون دائمًا كجنون العظمة وغلظة القلب


(١) ونسجل هنا ملاحظة ذكرها المؤرخون حول أهداف التعليم وغاياته في عصر محمد علي وأنها لا تعدو تخريج جيل يدين بالولاء التام لشخص محمد علي -أو الجناب العالي كما كانوا يسمونه- ويتقرب بخدمته - تاريخ التعليم في عصر محمد علي (ص ٦٢١) أما أن يكون الهدف هو إعداد جيل من الشباب المسلم يخدم دينه وأمته فذاك أمر لا يتفق مع سياسة محمد علي في ولائه للغرب وتبعيته له.
(٢) "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص ١٨٢).
(٣) ويرجح عندي الأمران معًا، لان كان من يقرأ تاريخ الجبرتي يستبعد الأمر الأول ويجزم بالأمر الثاني، إلا أن الظروف تشير إلى وقوع الأمر الأول كما يقول الشيخ محمد قطب. ويؤيد هذا. د. زكريا سليمان بيومي الذى أشار مع غيره من الباحثين إلى دور الماسونية الفرنسية في تولية محمد علي. انظر "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص ١٦٠ - ١٧٠)، و"واقعنا المعاصر" (ص ٢٠٥) وما بعدها. وليس عجيبًا بعد هذا أن يتابع محمد علي أخبار حروب نابليون وفرنسا، وأن يوافيه القنصل الفرنسي في القاهرة بهذه الأخبار أولاً بأول وتنشر في ملصقات على الجدران في حارات الأجانب وغيرها.