للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كانت الحوالات بعملة البلد المحال فيه

إذا كانت الحوالات بعملة البلد المحال فيه كأن يطلب أحد الناس من أحد المصارف تحويل مبلغ من المال بعملة معينة كالريال السعودي أو الدولار الأمريكي فيدفع للمصرف هذا المال ويطلب منه تحويله إلى بلد معين فيقوم المصرف بذلك ويعطيه إشعارا بالتحويل إلى ذلك البلد على أحد المصارف أو على فرع من فروعه , هذا النوع من التحويل المصرفي حوالة محضة ليس لها تعلق بمسائل الصرف وإنما هي من مسائل السفتجة.

والسفتجة كما يعرفها الفقهاء هي معاملة مالية يقرض فيها شخص قرضا لآخر في بلد , ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه إلى المقرض نفسه أو نائبه أو دائنه في بلد آخر معين. كذلك يطلقها الفقهاء على الرقعة أو الكتاب أو الصك الذي يكتبه المقترض لنائبه أو مدينه في بلد آخر , يلزمه فيه بدفع مثل ما اقترضه في بلده لمن أقرضه أو لنائبه أو دائنه في البلد الآخر.

وفائدة التعامل بالسفتجة أنه قد يكون للرجل مال في بلد , وهو يريد أن ينقله إلى آخر معين , لكنه يخاف عليه من أخطار الطريق , فيلجأ إلى دفعة على سبيل الإقراض إلى تاجر مثلا أو شخص له بذلك البلد المعين مال أو دين على شخص آخر , على أن يكتب القابض كتابا أو صكا موجها إلى نائبه أو مدينه في البلد الآخر , ليؤدى بمقتضاه إلى ذلك الدافع أو نائبه أو دائنه فيه نظير ما دفعه إليه , وبذلك يحصل كل منهما على المال المطلوب في المكان المرغوب دون نقل ومخاطرة.

وقد اختلف العلماء في حكمها فجمهورهم قالوا بجوازها مستدلين على ذلك بما روي عن عطاء أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان يأخذ من قوم بمكة دراهم ثم يكتب بها إلى أخيه مصعب بن الزبير في العراق ويأخذونها منه فسئل ابن عباس عن ذلك فلم ير به بأسا فقيل له: إن أخذوا أفضل من دراهمهم؟ قال: لا بأس إذا أخذوا بوزن دراهمهم.

وروي أيضا مثل هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهؤلاء ثلاثة من أصحاب رسول الله أجازوا ذلك.

وقال آخرون بمنعها بحجة أن السفتجة قرض يستفيد منها المقترض أمن الطريق وكل قرض جر نفعا فهو ربا لإن دافع النقود يستفيد من ذلك أمنه من خطر الطريق.

وذكروا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: السفتجات حرام وهو حديث ضعيف ذكره ابن الجوزي في الموضوعات فلا يصح الاحتجاج به.

وقد رد المجيزون على المانعين بأن المنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض وركوب دوابه واستعماله وقبول هديته ولا مصلحة له في ذلك بخلاف هذه المسألة فإن المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان فهي من جنس المعاونة والمشاركة.

وهذا المعنى ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى.

والقول بجواز ذلك هو ما تطمئن إليه النفس لما في ذلك من المصلحة العامة والتيسير على المسلمين في معاملاتهم وانتفاء الدليل المقنع على المنع ولأن الأصل في المعاملات الإباحة.

ويمكن تفصيل آراء الفقهاء في حكم السفتجة إلى أربعة أقوال:

(أحدها) أنه لا تجوز السفتجة إذ كان الوفاء في البلد الآخر مشروطا في العقد , لأنها تكون حينئذ قرضا جر نفعا , وهو محظور. أما إذا لم يكن ذلك مشروطا في العقد فتجوز , لأن التبرع بالمنفعة من المقترض للمقرض من حسن القضاء , وهو مندوب إليه وهو قول الشافعية والحنفية والظاهرية.

(والثاني) وهو أنه لا تجوز السفتجة إلا في حالة الضرورة. حيث يكون المقرض أمام أمرين: إما اللجوء إلى السفتجة وإما تعريض ماله للضياع. فتجوز عندئذ تقديما لمصلحة حفظ المال على مفسدة القرض الذي يجر نفعا. وهو قول المالكية.

(والثالث) أنه لا تجوز السفتجة إذا شرط الوفاء في بلد آخر , وكان للمال المقرض مؤونة حمل وكلفة أما إذا لم يكن الوفاء في البلد الآخر مشروطا , أو لم يكن لحمل المال مؤونة وكلفة فتجوز. وهو قول الحنابلة في المذهب.

(والرابع) وهو أن السفتجة صحيحة مشروعة , ولو كان الوفاء في البلد الآخر مشروطا فيها , لأنه ليس بزيادة قدر ولا صفة , معه مصلحة لهما , فجاز كشرط الرهن. وهو رواية عن أحمد صححها ابن قدامة وأبو يعلي وابن تيمية من الحنابلة وابن عبد الحكم من المالكية وغيرهم.

إذا كانت الحوالة بنقد مغاير للنقد المراد تسلمه في البلد الآخر

أما إذا كانت الحوالة بنقد مغاير للنقد المراد تسلمه في البلد الآخر فهذا النوع من التحويل يجتمع فيه الصرف والحوالة ولا يخفى أن للصرف في حالة اختلاف العوضين جنسا شرطا هو التقابض في مجلس العقد وقد تقرر لدي المجامع الفقهية والهيئات العلمية أن كل عملة ورقية جنس يجوز المصارفة بينها وبين غيرها من عملات الدول الأخرى مطلقا إذا كان يدا بيد لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.

وعليه إذا كان طالب التحويل راغبا في تحويل عملة أخرى غير التي عنده , فيجب عليه قبل التحويل إجراء مصارفة ناجزة مع البنك بين العملة التي يملكها والعملة التي يرغب حوالتها بسعر الصرف الحاضر يوم إجراء الحوالة , ويعتبر إقباضه العملة التي عنده للمصرف المحول حسيا أو حكميا (بالاقتطاع من حسابه الجاري لديه) عقب ذلك وتسلمه شيك الحوالة بالعملة الأخرى المستحقة بدلها تقابضا لبدلي الصرف , حيث إن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه عرفا , فيكون الصرف قد استوفي شريطته الشرعية وهي التقابض بين البدلين في المجلس.

ويعتبر في حكم تسلم شيك الحوالة من قبل طالب التحويل إبراق المصرف القابض للمصرف المسحوب عليه بسداد الحوالة فورا للمستفيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>