الفتاوى الشرعية في الاقتصاد الصادرة عن ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي مجموعة دله البركة
ندوة البركة الثانية , الفتوى رقم (٢)
السؤال:
هل يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض؟
إذا كان ذلك غير جائز فهل يجوز لرب السلم أن يبيع سلما من جنس ما أسلم فيه اعتمادا على ما سوف يتسلمه في المستقبل ودون أن يربط في العقد بين ما أسلم فيه وبين ما سوف يتسلمه؟ .
هل يجوز لرب السلم أن يتخذ من ذلك العمل تجارة؟
الجواب:
ألا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه.
ب ولكن يجوز لرب السلم أن يبيع سلما من جنس ما أسلم فيه دون أن يربط في بيع السلم بين ما أسلم فيه في العقد الأول وبين ما التزم به في العقد الآخر.
ج ولا يجوز اتخاذ هذا العمل (الجائز في الفقرة الثانية) تجارة , لأن السلم أجيز استثناء من القواعد الأصلية لحاجة المنتجين ويسدها جواز السلم كحالات فردية دون الاتجار به , فإذا وجدت ظروف اقتصادية في بعض البلاد الإسلامية ومصلحة كبرى تدعو إلى الاتجار به في حالات خاصة دفعا لظلم واقع , جاز ذلك لهذه المصلحة الكبرى التي تقدرها هيئات الفتوى والرقابة الشرعية.
بيت التمويل الكويتي الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية (الجزء الأول) فتوى رقم (١٩)
السؤال:
هل يجوز شرعا أن أبيع بضاعة السلم (المسلم فيه) لشخص آخر يحل محلي قبل أن استلم البضاعة وتسلم هذه البضاعة له عوضا عني وربما يتكرر البيع بعد ذلك لأكثر من مشتر؟
الجواب:
أن بيع المسلم فيه قبل قبضه فلا نعلم في تحريمه خلافا هكذا نقل في المغني لابن قدامة وهو كتاب معتمد عند العلماء جميعا لصحة نقوله.
شركة الراجحي المصرفية للاستثمار فتاوى الهيئة الشرعية قرار رقم (٤١)
السؤال:
نرجو التكرم بإفادتنا بالرأي الشرعي حول قيام الشركة بشراء سلع (كبترول أو معادن أو غيرها من السلع) شراء سلم وذلك بدفع قيمتها حالا على أن يتم استلام السلعة بعد فترة زمنية علما بأن الشركة قد تبيع هذه السلع بيع سلم وذلك باستلام قيمة السلعة عند البيع على أن يتم تسليم البضاعة بتاريخ لاحق.
وبعد تأمل الهيئة في السؤال توصلت لما يلي:
إن خاصية عقد السلم أنه عقد على شيء موصوف في الذمة (سلعة مثلية) سواء كان مكيلا أم موزونا أم مذروعا أم معدودا غير مختلف الآحاد وسواء في ذلك المنتجات الزراعية كالحبوب والزيوت والألبان , والمنتجات الصناعية كالحديد , والأسمنت والسيارات والطائرات , ومنتجات المواد الخام أو نصف المصنعة كالنفط والكلنكر.
ويمكن للمسلم (المشتري) فيما بين تاريخ عقد السلم وتاريخ قبض المسلم فيه أن يكون مسلما إليه (بائعا) في سلعة مماثلة وبشروط مماثلة لشروط عقد السلم الذي أبرمه أو بشروط معدلة وعقد السلم بهذا الوصف أداة ذات كفاءة عالية للوفاء بحاجة المصرف الإسلامي باعتبار أن الوظيفة الأساسية للمصرف هي تقديم خدمة الائتمان , وأن موارده تعتمد بالدرجة الأولى على الاستفادة من عوض الأجل عند تقديم تلك الخدمة.
وتظهر مدى كفاءة عقد السلم كأداة لنشاط المصرف الإسلامي في مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة سواء كان تمويلا قصير الأجل أم متوسطه أم طويله , واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء سواء من المنتجين الزراعيين أو الصناعيين أو المقاولين أم من التجار , واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية.
وإذا كان التعامل في سوق الائتمان في البلاد المتقدمة يتم في نطاق منافسة تتسم بالحدة والحرج , وإذا كانت البلاد الأخرى التي تتم المنافسة فيها بدرجة مرونة أكبر , تقوم فيها عقبات حقيقية أمام أدوات الاستثمار الأخرى , فأن هذه الأداة (عقد السلم) تعتبر وسيلة حيوية وهامة تتيح بأمان اقتحام الأسواق التي تتسم المنافسة فيها بالمرونة والسعة , وفي الوقت نفسه تكون قابلة للتدرع بالضمانات الكافية ضد المخاطر المعتادة في تلك الأسواق كالمخاطر السياسية أو مخاطر التضخم.
مثال أول:
يوجد مصنع ياباني لسحب وتشكيل قضبان الحديد يحتاج إلى تمويل لشراء كتل الحديد اللازمة , ويحصل عادة على التمويل اللازم من البنك بالفائدة , لأجل يمتد حتى تاريخ تسويق منتجاته. ففي مثل هذه الحال يقوم المصرف الإسلامي بعرض التمويل اللازم على أساس عقد السلم فيأخذ مقابل التمويل المنتجات المصنعة من قضبان الحديد , وتبرمج مواعيد وأمكنة التسليم ويتفق مثلا أن يكون التسليم في ميناء التصدير أو سيف ميناء الاستيراد.
وفيما بين تاريخ إبرام العقد وتاريخ التسليم يمكن للمصرف الإسلامي أن يجري عقدا أو عقودا سلم مع مستثمرين آخرين يكون المصرف فيها في موقف المسلم إليه (البائع) , حيث يلتزم بتوريد قضبان حديد مماثلة لقضبان الحديد التي أبرم عقد السلم عليها من المصنع , وذلك بشروط مماثلة لعقده مع المصنع , أو بشروط معدلة. كما يمكن للمصرف بدلا عن ذلك أن ينتظر حتى يتسلم القضبان فيبيعها للموردين في البلد المستورد أو لتجار التجزئة بثمن حال أو مؤجل.
وعلى العكس من الصورة السابقة يمكن أن يسبق زمنيا عقد السلم الذي يبرمه المصرف مع المستثمرين ويكون فيه مسلما إليه ملتزما بقضبان الحديد عقد السلم الذي أبرمه المصرف مع المصنع الياباني وكان المصرف فيه في موقف المسلم (المشتري) .
ويمكن للمصرف التوغل لمرحلة سابقة بأن يقوم بإبرام عقد سلم مع مصنع للصلب ينتج كتل الحديد ويحتاج لتمويل شراء خام الحديد حيث يقوم المصرف بالتمويل النقدي في مقابل الحصول على كمية مناسبة من كتل الحديد يتم بيعها لمصنع القضبان.
مثال ثان:
يحتاج مصنع أسمنت الجنوب إلى تمويل لنفقات التشغيل فيتقدم المصرف الإسلامي بعرض التمويل في نظير أخذ كمية مناسبة من الأسمنت يتفق على تسليمها في موعد واحد أو مواعيد مختلفة , وذلك تسليم المصنع أو تسليم مواقع أخرى.
فإذا احتيج إلى تدرج التدفق النقدي بالنسبة للمصنع فيمكن بدلا من إبرام عقد واحد إبرام عقود متعددة لهذا الغرض وفي الوقت نفسه بين تاريخ تقديم التمويل وتاريخ التسليم. ويمكن للمصرف الإسلامي إبرام عقود سلم مع المقاولين مباشرة أو مع مستثمر وسيط , يكون محلها أسمنتا مصنعا بمواصفات الأسمنت الذي تعاقد المصرف مع المصنع عليه , كما يمكن للمصرف الانتظار حتى يتسلم من المصنع الأسمنت الذي التزم به فيبيعه على المقاولين بثمن ناجز أو مؤجل.
وعلى العكس من الصورة السابقة يمكن أن يسبق زمنيا عقد السلم الذي يكون المصرف فيه مسلما إليه (بائعا للأسمنت) عقد السلم الذي يبرمه المصرف مع المصنع ويكون المصرف فيه مسلما (مشتريا) .
وهناك تفصيلات أخرى حول هذه الطريقة الثانية لاستخدام عقد السلم نفصل بيانها في المثال الثالث التالي:
مثال ثالث:
يمكن تطبيق عقد السلم لتمويل شراء المصرف للسلع التي تنتجها المصانع المحلية , ثم قيامه ببيعها من خلال الوسطاء الذين يتولون أمر توزيعها حاليا في السوق الداخلية. ويقتضي تطبيق هذا الاقتراح أن يختار المصرف بعناية السلع التي سيتعامل بها بحيث تكون مما يقبل التخزين مدة ملائمة , مع تحديد سعر شراء البنك لها على نحو يأخذ بالحسبان الدورة الزمنية المعتادة لتصريفها وكذلك تكاليف التخزين وسواها من التكاليف , وتقلبات الأسعار المعتادة في هذه السلع.
وفي الوقت الذي يدخل فيه المصرف بعقد سلم لشراء السلع يدخل بعقود مع الوسطاء الموزعين لتلقى السلع نيابة عن المصرف وتخزينها لديهم ثم بيعها لحساب المصرف. ويمكن للمصرف أن يتفق مع أولئك الوسطاء على أن يبيعوا السلع لأجل مع أخذ الضمانات الملائمة. وبذلك يكون المصرف قد استخدم أمواله في تمويل شراء السلع سلما بأسعار منخفضة نسبيا ثم بيعها بعد قبضها لأجل بأسعار مرتفعة نسبيا.
وهذا التمويل يحيط بالسلعة من الجانبين (عقد سلم للشراء , ثم عقد بيع لأجل للتسويق) , ويتيح للمصرف مجالا واسعا لاستثمار موارده.
مثال رابع:
يمكن للمصرف الإسلامي أن يعقد عقد سلم مع أرامكو السعودية بموجبه تلتزم أرامكو بتسليم كمية من النفط في تاريخ معين على الناقلة الراسية في ميناء التصدير برأس تنورة.
ويمكن للمصرف بين تاريخ إبرام عقد السلم ودفعه الثمن والتاريخ المتفق عليه لتسليم النفط أن يبرم المصرف عقود سلم مع المستهلكين مباشرة أو مستثمر وسيط يكون محل التزام المصرف في تاريخ العقود نفطا مماثلا في المواصفات وبشروط مماثلة أو معدلة.
ويمكن للمصرف الانتظار حتى تسلم النفط ثم يبيعه للمستهلكين بثمن ناجز أو مؤجل.
مثال خامس:
يشتري المصرف الإسلامي كمية من الأسمنت على أساس عقد سلم كما وصفناه ويتضمن العقد أن يضع المصنع كمية الأسمنت بعد إنتاجها في مستودعاته باسم المصرف بصورة متميزة , ويوكله المصرف ببيعها لحساب المصرف بسعر ناجز أو مؤجل لا يقل عن المقدار الذي يحدده المصرف. ويمكن للمصرف أن يجعل للمصنع أجرة على البيع مبلغا محددا أو نسبة من ثمن البيع.
ويمكن أن يكون البيع المذكور نقدا , كما يمكن للمصرف أن يأذن للمصنع بأن يبيع لأجل بشروط يرتضيها المصرف ومنها أخذ ضمانات كافية للوفاء بالثمن.
ويجب التنبيه إلى أنه حيثما ذكر عقد السلم فانه مأخوذ في الاعتبار التقيد بالشروط الشرعية للعقد ومن أهمها فورية دفع الثمن , وبهذا الشرط الأخير يقوم رادع يحول عمليا دون استغلال عقد السلم لاتخاذه حيلة لتوصل للتمويل بالفائدة الربوية.
وفي الأمثلة السابقة حيث أشير إلى الصور العكسية فربما يتبادر إلى الذهن أن صور هذه المعاملات ستكون قليلة في مجال العمل , وليس الأمر كذلك إذا لاحظنا وجود عملاء جاهزين للدخول في هذه العمليات ومنهم محافظ الاستثمار المستقلة في المصرف المعني وغيره من المصارف.
بقيت إشارة مهمة إلى أن الرجل المصرفي سوف يلاحظ لأول نظرة الفرق بين التمويل بأداة عقد السلم والتمويل بأداة الفائدة الربوية , الممول في الحالة الأولى (عقد السلم) عائده عن التمويل الربح. والممول في الحالة الثانية عائده عن التمويل الفائدة , والفائدة مضمونة محددة المقدار في حين أن الربح قد يقل أو يكثر , كما أنه ليس مضمونا.
لكن هذا الفارق هو السبب الجوهري في أن عقد التمويل بالسلم حلال وعقد والقرض بالفائدة حرام.
غير إننا إذا قلنا بأن الربح لا يمكن أن يكون مضمونا عقدا فهذا لا يعني أنه لا يكون موثوقا به واقعا , إذا يمكن للمصرف بالدراسة والتبصر والانتفاع بالخبرة أن يهيأ ظروفا ملائمة توصله إلى درجة من الاطمئنان إلى الحصول على الربح دون أن يؤثر ذلك على مشروعية العقد.
ويساعد على الثقة بالربح أن عائد التمويل وهو الفرق بين ثمن الشراء المدفوع نقدا وثمن البضاعة المؤجلة لا يقل في الظروف العادية عن عائد الفائدة بل يدخل عند حساب الفرق المذكور ما يوفره البائع المنتج من نفقات التخزين والتسويق ومقابل العامل النفسي في اطمئنان المنتج مسبقا إلى أنه ينتج سلعة قد ضمن بيعها وعرف ربحها.
ونلاحظ في عقد السلم سهولة اطمئنان المسلم إليه (البائع) , إلى إمكانية الوفاء بدين السلم (البضاعة) عند تعذر مصدره المتوقع , وذلك عن طريق الحصول عليه من مصدر آخر بملاحظة أن المسلم فيه هو من السلع النقدية عادة أي مما يتيسر الحصول عليها أو تسييلها في أي وقت.
كما نلاحظ سهولة اطمئنان المسلم (المشترى) إلى وفاء المسلم إليه بدين السلم (البضاعة المبيعة) بإمكانية أخذ الرهن أو الكفالة به , وهذا وإن كان يوجد قول في المذهب الحنبلي بعدم جوازه فإن الصحيح من المذهب الجواز وهو المفتى به وهو رأي المذاهب الثلاثة الأخرى , ولذلك لا تتردد الهيئة الشرعية في إجازة أخذ الرهن والكفيل بدين السلم (البضاعة) وفق ما نص عليه الفقهاء.
في الختام نشير إلى الجزء الثاني من السؤال:
وهو بيع المصرف لبضاعة السلم قبل استلامها فإذا كان هذا السؤال يراد به صورة غير الصور التي أوردناها في الأمثلة الثلاثة , فنظرا لأن عقد السلم عقد على موصوف في الذمة لا على عين معينة فلا بد أن يكون قصد السائل صورة وراء كل تلك الصور المتعددة التي أوردناها أي بيع عقد السلم نفسه بأن يحل المشترى محل المصرف بحيث تنتقل إليه الحقوق والالتزامات التي للمصرف تجاه المسلم إليه , وهذا بالطبع غير جائز إذا لا يجوز بيع الدين قبل قبضه فلابد من الاستغناء بالصور المتعددة الجائزة.