[تعريف الاستصناع]
الاستصناع في اللغة طلب الصنعة , كما أن الاستغفار طلب المغفرة , والاستمهال طلب المهلة.
فكل من طلب من آخر أن يصنع له شيئا فذلك استصناع لغوي , فمن طلب من النجار أن يصنع له خزانة مثلا فذلك استصناع لغة , سواء أتى الطالب للصنعة بالخشب والمواد من عنده , أو كانت من عند النجار , وسواء كان ذلك بمقابل مادي , أو على سبيل التبرع.
والاستصناع اصطلاحا أن يقول إنسان لصانع: اصنع لي الشيء الفلاني ويذكر جنسه وصفاته , والمواد من عند الصانع , مقابل كذا وكذا من المال أعطيك إياه الآن , أو بعد التسليم , أو عند أجل معين. فيقبل الصانع ذلك.
ويتضح من التعريف أن:
- المبيع هو الشيء المطلوب صنعه في الذمة وتكون أوصافه محددة مميزة عن غيره. فهو يشبه السلم لأن المبيع ملتزم عند العقد في ذمة البائع.
- الاستصناع فيه طلب الصنع وهو العمل وما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا , فكان مأخذ الاسم دليلا عليه كما يقول الكاساني ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا. لذلك فإن المنتوجات الطبيعية (كالثمار والبقول والحبوب) إذا أريد بيعها قبل وجودها فطريقها بيع السلم لا الاستصناع.
- تكون مواد الصنع من الصانع لا من المستصنع فإذا كانت من المستصنع فإن العقد يكون إجارة لا استصناعا. فكل ما يحتاج إليه من مواد أساسية أو كمالية يقدمه الصانع البائع من عنده لأنه محسوب حسابه في الثمن.
- يكون الثمن معلوما ومحددا ويصح أن يعطيه المستصنع للصانع مقدما عند التعاقد , ويصح أن يعطيه قدرا منه والباقي عند استلام الشيء المصنوع , ويصح أن يؤخره إلى يتسلم المصنوع.
ويسمى طالب الصنعة: المستصنع , وقد يسمى الآمر لأنه أمر بالصنع.
ويسمى الطرف الثاني: مستصنعا إليه , أو صانعا , سواء كان ممن يتولى الصناعة بنفسه , أو يتولاها عماله في مصنعه.
ويسمي الشيء المصنوع: المستصنع فيه.
ويسمى المقابل المادي: البدل النقدي , وقد يسميه بعض الفقهاء الثمن.
ويقابل مصطلح الاستصناع في القوانين الوضعية: المقاولة , حيث تكون المواد من الصانع , أما حيث تكون المواد من صاحب العمل فهي مقاولة ولكنها ليست استصناعا , بل هي من قبيل الإجارة.
صور من التعامل شبيهة بالاستصناع , وليست استصناعا
توجد صور من التعامل شبيهة بالاستصناع , وليست استصناعا. من ذلك ما يلي:
١ - أن يأتي طالب الصنعة بالمواد من عند نفسه , ويطلب من الصانع أن يصنع منها الشيء الذي يريده , مقابل أجر معين , كما لو أحضر قماشا , وطلب من الخياط أن يصنعه له ثوبا , أو أحضر خشبا وطلب من النجار أن يصنع له منه غرفة نوم. فهذه إجارة وليست استصناعا.
ولو جرى العرف على أن الأجير يضع مواد تافهة من عنده , مما يحتاج إليه المصنوع , بقي العقد إجارة ولم يدخل في الاستصناع , كالخياط يخيط بخيط وأزرار من عنده , أو الصباغ يصبغ بأصباغ من عنده , أو النجار يدخل في صناعة الأثاث المسامير والأصماغ اللاصقة من عنده.
٢ - أن يكلف طالب الصنعة الصانع أن يشترى المواد على حسابه الخاص (أي حساب طالب الصنعة) ويقدم له بها فواتير ليدفع ثمنها , ثم يصنع له من تلك المواد شيئا محددا مقابل أجر معلوم. فهذه إجارة أيضا وليست استصناعا.
٣ - أن يشترى إنسان من الصانع أو التاجر شيئا مصنوعا معينا , مقابل ثمن معجل أو مؤجل. فهذا بيع وليس استصناعا.
٤ - أن يشتري الطالب من الصانع أو التاجر شيئا في ذمة البائع معلوما جنسه ونوعه ووصفه وقدره , كأثاث معلوم الصفات , ولا يشترط أنه من عمل الصانع نفسه , على أن يسلم البضاعة عند أجل معين , ويدفع الثمن المعلوم مقدما. فهذا سلم في المصنوعات , وليس استصناعا.