جاء في المبسوط (١٢ / ١٣٩)
كان الحاكم الشهيد يقول: الاستصناع مواعدة , وإنما ينعقد بيعا بالتعاطي إذا جاء به مفروغا منه.
وجاء في المحيط البرهاني (٢ / ٥٧٥)
(مخطوطة أوقاف بغداد)
إذا جاز الاستصناع فإنما يجوز معاقدة لا مواعدة , بدليل أن محمدا رحمه الله ذكر فيه القياس والاستحسان , ولو كان مواعدة لما احتاج إلى ذلك , وأن محمدا قال: إذا فرغ الصانع من العمل , وأتى به كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى ما لم يره. فقد سماه شراء. وكذلك قال: إذا قبض الأجر فإنه يملك. ولو كانت مواعدة لكان لا يصير الأجر ملكا له. فدل على أنها تنعقد معاقدة لا مواعدة.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني (٥ / ٢)
قال بعضهم: الاستصناع مواعدة , وليس ببيع , ولا يصح , بدليل أن محمدا رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان , وذلك لا يكون في العادات , وكذلك أثبت فيه خيار الرؤية , وهو يختص بالبياعات , وكذا يجري فيها التقاضي , وإن ما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار (٢ / ٣٨)
وقد قيل: الاستصناع مواعدة , حتى يكون لكل منهما الخيار.
وجاء في شرح فتح القدير لابن الهمام (٧ / ١١٥)
اختلف المشايخ أنه مواعدة أو معاقدة , فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور: هو مواعدة , وإنما ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي , ولهذا كان للصانع أن لا يعمل , ولا يجبر عليه , بخلاف السلم , وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي به , ويرجع عنه.
في الدر المختار (٤ / ٢١٣)
صح الاستصناع بيعا لا عدة , على الصحيح , فيجبر الصانع على العمل , ولا يرجع الآمر عنه , ولوكان عدة لما لزم.
وجاء في حاشية ابن عابدين عليه: هو بيع لا مواعدة ثم ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي إذ لو كان كذلك لم يختص بما فيه تعامل.
مراجع القول الثاني
جاء في بدائع الصنائع للكاساني (٦ / ٢٦٧٧)
قال بعضهم: الاستصناع عقد على مبيع في الذمة. ووجهة أن الصانع لو أحضر عينا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع جاز , ولو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز , لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي.
(وصحح الكاساني القول الآتي: وهو أنه عقد على مبيع في الذمة شرط فيها العمل)
ثم قال: العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا , واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل. وأما إذا أتي الصانع بعين صنعها قبل العقد , ورضي المستصنع , فإنما جاز لا بالعقد الأول , بل بعقد آخر , وهو التعاطي بتراضيهما.
وجاء في شرح فتح القدير (٧ / ١١٥)
الصحيح من المذهب جواز الاستصناع بيعا , لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ,. . . وإثبات الخيار لكل منهما لا يدل على أنه ليس بيعا , ألا ترى أن في بيع المقايضة لو لم ير كل منهما عين الآخر كان لكل منهما الخيار , وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيها المعدوم موجودا , وفي الشرع كثير كذلك , كطهارة المستحاضة , وتسمية الذابح إذا نسيها.
ثم قال: والمعقود عليه العين دون العمل. . والدليل عليه قول محمد لأنه اشترى ما لم يره , ولذا لو جاء به مفروغا منه لا من صنعته , أو من صنعته قبل العقد جاز.
وجاء في الاختيار (٢ / ٣٨)
الأصح أن الاستصناع معاقدة لأن فيه قياسا واستحسانا , وذلك من خصائص العقود. وينعقد على العين دون العمل حتى لو جاء بعين من غير عمله جاز.
وجاء في الدر المختار (٤ / ٢١٣)
يصح الاستصناع بيعا لا عدة على الصحيح , فيجبر الصانع على عمله , ولا يرجع الآمر عنه ولو كان عدة لما لزم , والمبيع هو العين لا عمله خلافا للبردعي فإن جاء الصانع بمصنوع غيره , أو بمصنوعه هو قبل العقد فأخذه صح ولو كان المبيع عمله لما صح.
وجاء في حاشية ابن عابدين عليه: المبيع في الاستصناع هو العين الموصوفة في الذمة , وليس بيع عمل , أي ليس إجارة على العمل. وفيها قال في النهر: وأورد على كونه بيعا أنه يبطل بموت الصانع , وهذا ينافي كونه بيعا. وأجيب بأنه إنما بطل لشبهه بالإجارة.
مراجع القول الثالث
جاء في الهداية وفتح القدير (٧ / ١١٥)
قال أبو سعيد البردعي المعقود عليه في الاستصناع العمل , لأن الاستصناع ينبئ عنه (أي لأن معنى اللفظ طلب الصنعة) , والأديم (أي الجلد في صناعة الحذاء) بمنزلة مادة الصبغ للصباغ , واستعمال الصباغ لتلك المادة لا يجعل المعقود عليه العين , بل المعقود عليه هنا العمل فقط.
وجاء في العناية أيضا (٧ / ١١٥)
قال أبو سعيد البردعي المعقود عليه في الاستصناع هو العمل , لأن الاستصناع طلب الصنعة , وهو العمل.
وجاء في العناية أيضا (٧ / ١١٦)
فإن قيل: أي فرق بين الاستصناع وبين عمل الصباغ؟ فإن في الصبغ العمل والعين (من العامل) , كما في الاستصناع , وذلك إجارة محضة.
أجيب بأن الصبغ (أي عملية الصبغ) أصل , والصبغ (أي المادة التي يصبغ بها) آلتة. فكان المقصود منه العمل , وذلك إجارة وردت على العمل في عين المستأجر. وها هنا (أي في الاستصناع) الأصل هو العين المستصنع المملوك للصانع , فيكون بيعا. ولما لم يكن له وجود من حيث وصفه إلا بالعمل أشبه الإجارة في حكم واحد لا غير.
مراجع القول الرابع
جاء في شرح فتح القدير (٧ / ١١٦)
وفي الذخيرة: هو إجارة ابتداء بيع انتهاء , لكن قبل التسليم بساعة , لا عند التسليم , بدليل أنهم قالوا: إذا مات الصانع لا يستوفى المصنوع من تركته , ذكره محمد في كتاب البيوع. ولا يجبر الصانع على العمل لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عينه من قطع الأديم ونحوه , والإجارة تفسخ بالعذر , وهذا عذر , ألا ترى أن المزارع له أن لا يعمل إذا كان البذر من جهته.
وجاء في حاشية ابن عابدين على الدر (٤ / ٢١٣)
وفي الذخيرة الاستصناع إجارة ابتداء بيع انتهاء , لكن قبل التسليم بساعة لا عند التسليم. وأورد عليه أنه لو انعقد إجارة لأجبر الصانع على العمل , والمستصنع على إعطاء المسمى.
وأجيب بأنه إنما لا يجبر لأنه لا يمكنه (العمل) إلا بإتلاف عين له من قطع الأديم ونحوه , والإجارة تفسخ بهذا العذر , ألا ترى أن الزارع له أن لا يعمل - أي في المزارعة - إن كان البذر من جهته , وكذا رب الأرض. ومثله في البحر والزيلعي.
وجاء في المحيط البرهاني (ج٢ / ق ٥٧٥)
ينعقد الاستصناع إجارة ابتداء , ويصير بيعا انتهاء متى سلم , قبل التسليم بساعة , بدليل أنهم قالوا بأن الصانع إذا مات قبل تسليم العمل بطل الاستصناع , ولا يستوفى المصنوع من تركته , ولو انعقد بيعا ابتداء وانتهاء لم يبطل بموته كما في بيع العين , والسلم.
وقال محمد إن أتى به الصانع كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى شيئا لم يره ولو انعقد إجارة ابتداء وانتهاء لم يكن له خيار الرؤية , كما في الخياط والصباغ , ولو كان ينعقد بيعا عند التسليم لا قبله بساعة لم يثبت خيار الرؤية , لأنه يكون مشتريا ما رآه وخيار الرؤية لا يثبت في المشتري (كذا في الأصل ولعله: المرئي) , فعلمنا أنه ينعقد إجارة ابتداء وإن كان القياس يأباه , لأنه إجارة على العمل في ملك الآخر ثم يصير بيعا انتهاء قبل التسليم بساعة , وإن كان القياس يأبى أن تصير الإجارة بيعا. لكنا تركنا القياس في الكل , لمكان التعامل. والمعنى في ذلك أن المستصنع طلب منه العين والعمل جميعا , فلا بد من اعتبارهما جميعا , واعتبارهما جميعا في حالة واحدة متعذرة , لأن بين البيع والإجارة تنافيا , فجوزناها إجارة ابتداء , لأن عدم المعقود عليه لا يمنع انعقاد الإجارة , ويمنع انعقاد البيع , فاعتبرناها إجارة ابتداء , وجعلناها بيعا قبل التسليم , كما فعلنا هكذا في الهبة بشرط العوض: اعتبرناها هبة ابتداء عملا باللفظ , بيعا انتهاء عملا بالمعنى. ولذلك قلنا: لو مات قبل التسليم يبطل , كالإجارة , ومتى سلم كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى ما لم يره.
مراجع القول الخامس
المبسوط للسرخسي (١٥ / ٨٤ , ٨٥)
الاستصناع بيع عين شرط فيه العمل.
تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (٢ / ٥٣٨)
الاستصناع عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع.
بدائع الصنائع للكاساني (٦ / ٢٦٧٧)
قال بعضهم: الاستصناع عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل. قال: وهو الصحيح. لأن الاستصناع طلب الصنع , فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا , فكان مأخذ الاسم دليلا عليه , ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا , واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل.
وأورد الكاساني على هذا القول اعتراضا , قال: إن الصانع لو أحضر عينا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع جاز , فلو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز , لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي.
ورد على ذلك قائلا: إذا أتى الصانع بعين قد صنعها قبل العقد , ورضي به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول , بل بعقد آخر , وهو التعاطي , بتراضيهما.