حق المكفول له في مطالبة الكفيل أو الأصيل أيهما شاء عند جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفالة تعطي المكفول له الحق في مطالبة الكفيل بما التزم به , وأن هذا الحق لا يسقط حق المكفول له في مطالبة المكفول عنه أيضا: فله مطالبة أيهما شاء , أو مطالبة الاثنين معا , ولكن لا يأخذ أكثر من حقه.
هذا ولا يترتب على الكفالة عند الجمهور براءة الأصيل إلا إذا كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل , لأنها حوالة معنى. ولم يجز الشافعية في الأصح عندهم الكفالة بشرط براءة الأصيل , لأنه شرط ينافي مقتضى الضمان.
هذا ويجوز تعدد الكفلاء كاثنين أو أكثر , سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين أو جزءا منه. فإذا كان كل كفيل التزم بجزء من الدين فهو مطالب بما التزم من حصته فقط , وإذا كان كل واحد كفل الأصيل في جميع الدين فللمكفول له مطالبة الجميع أو مطالبة من شاء بجميع الدين , فضلا عن جزء منه.
وإذا كفل الكفيل الأول كفيل ثان , وكفل الثاني ثالث , وهكذا , كان الكفيل الأول بالنسبة للثاني كالأصيل بالنسبة للأول , وكان الثاني للثالث كالأول للثاني , وهكذا.
كيفية مطالبة الكفيل /٥٠ ومطالبة المكفول له بحقه تختلف بحسب محل الكفالة:
فإن كانت الكفالة بالدين ,
فيطالب الكفيل بما على الأصيل بالدين كله إن كان واحدا. فإن كان هناك كفيلان , والدين ألف مثلا , فيطالب كل وأحد منهما بخمسمائة إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه , لأنهما استويا في الكفالة , والمكفول به يحتمل الانقسام , فينقسم عليهما في حق المطالبة. ولو أدى أحدهما لا يرجع على صاحبه , لأنه يؤدي عن نفسه , لا عن صاحبه لكن يرجع على الأصيل بما أدي.
وإن كانت الكفالة بالنفس:
فيطالب الكفيل بإحضار المكفول بنفسه إن لم يكن غائبا. وإن كان غائبا يؤخر الكفيل إلى مدة يمكنه إحضاره فيها , فإن لم يحضر في المدة ولم يظهر عجزه , للقاضي حبسه إلى أن يظهر عجزه له , فإن ظهر للقاضي أنه لا يقدر على الإحضار بدلالة الحال , أو بشهادة الشهود أو غيرها , أطلقه من الحبس , وأنظره إلى حال القدرة على إحضاره , لأنه بمنزلة المفلس بالنسبة للدين.
وإذا أخرجه القاضي فإن الدائنين بالغرماء يلازمونه , ولا يحول القاضي بينه وبين الغرماء , ولكن ليس للغرماء أن يمنعوه من أشغاله , أو من الكسب وغيره. وهذا ما قرره الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه يلزم الكفيل بإحضار المكفول إن علم مكانه , فإن جهل مكانه , لم يلزم بإحضاره , وإذا ألزم بالإحضار يمهل مدة الذهاب والإياب , فإن مضت تلك المدة ولم يحضره , حبس إلى أن يتعذر إحضار المكفول بموت أو جهل بموضعه , أو إقامة عند شخص يمنعه من إمكان الوصول إليه.
ومذهب الحنابلة قريب من مذهب الشافعية , فإنهم قالوا: يلزم الكفيل بإحضار المكفول إن علم موضعه , فإن لم يحضره إما لتوان أو لهربه (أي المكفول به) واختفائه , أو لامتناعه , أو لغير ذلك , كذي سلطان بحيث تعذر إحضاره مع حياته , لزم الكفيل ما عليه من الدين , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم ولأن كفالة البدن أحد نوعي الكفالة , فوجب الغرم بها إذن كالكفالة بالمال.
ولا يسقط عن الكفيل المال بإحضار المكفول به بعد الوقت المسمى , نصا , إلا إذا شرط الكفيل البراءة من الدين , فلا يلزمه , عملا بشرطه , لأنه إنما التزم الكفالة على هذا الشرط , فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه.
وان كانت الكفالة بالعين:
فيطالب الكفيل بتسليم العين إن كانت قائمة , وبمثلها أو قيمتها إن كانت هالكة.
ليس للمكفول له مطالبة الكفيل إذا تيسر الأخذ من الأصيل إلا إذا اشترط ذلك في قول المالكية
يرى جمهور المالكية الأخذ بالرأي الذي رجع إليه الإمام مالك وهو أن المكفول له لا يطالب الكفيل إذا تيسر الأخذ من مال المكفول عنه إلا إذا اشترط رب الدين أخذ دينه من أيهما شاء: الأصيل أو الكفيل , أو اشترط تقديمه في الأخذ عن المدين , أو ضمن الضامن المدين في الحالات الست: الحياة , والموت , والحضور , والغيبة , واليسر , والعسر , فله مطالبته , ولو تيسر الأخذ من مال الغريم.
وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثور وابن سيرين والظاهرية والإمامية: إن الكفالة توجب براءة الأصيل , وينتقل الحق إلى ذمة الكفيل , فلا يملك الدائن مطالبة الأصيل , كما في الحوالة , ودليلهم قصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه الدينارين عن ميت , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: جزاك الله خيرا , وفك رهانك , كما فككت رهان أخيك فدل هذا على أن المضمون عنه برئ من الضمان أي أن هؤلاء يجعلون الكفالة حوالة.
والحقيقة أن الكفالة معناها ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة , أو في حق أصل الدين على الخلاف السابق , والبراءة تنافي الضم , ولأن الكفالة لو كانت مبرئة , لكانت حوالة , وهما متغايران , لأن تغير الأسامي دليل تغاير المعاني في الأصل.
ويؤيد ذلك ما ورد في السنة من حديث رواه أحمد نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ورواية أخري في قصة أبي قتادة الآن بردت جلدته حين أخبره أنه قضى دينه وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه , فلأنه بالضمان صار له وفاء , وإنما امتنع عن الصلاة على مدين لم يخلف وفاء. وأما قوله عليه السلام فك الله رهانك إلخ فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم , فلما ضمن عنه , فكه عن ذلك أو عما في معناه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود اتفق الأئمة على جواز الضمان وأنه لا ينتقل الحق عن المضمون عند الحي بنفس الضمان , بل الدين باق في ذمته , لا يسقط عن ذمته إلا بالأداء , وهل تبرأ ذمة الميت المضمون عنه بنفس الضمان؟ فعند الأئمة الثلاثة: لا , كالحي , وعن أحمد روايتان.