لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض وجوب رد بدله في نفس البلد التي وقع فيها , وأن للمقرض المطالبة به فيها , ويلزم المقترض الوفاء به حيث قبضه , إذ هو المكان الذي يلزم التسليم فيه.
ووجهة: أن المقرض محسن , وما على المحسنين من سبيل , فلو كان عليه أن يتجشم مشقة لرد قرضه , لكان ذلك منافيا لإحسانه.
لكن لو بذله المقترض في مكان آخر , أو طالبه المقرض به في بلدة أخرى , فقد ذهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى التفريق فيما يلزم أداء المثل فيه بين ما لحمله مؤونة , كالمكيلات الموزونات ونحوها , وبين ما ليس لحمله مؤونة كالدراهم والدنانير , وقالوا:
لا يجبر المقرض على قبوله في غير مكان الإقراض إن كان مما لحمله مؤونة ولا يلزم المقترض دفعه في غيره إذا طالبه المقرض بأداء المثل فيه , لما في ذلك من زيادة الكلفة أو لحوق الضرر بالمطالب بالقبول أو الدفع في غير مكان القرض.
أما ما ليس لحمله مؤونة , فيلزم المقرض قبوله إذا بذله المقترض له في غير مكان الإقراض , كما يلزم المقترض أداء مثل دينه إذا طالبه به المقرض في البلد الآخر , إذ لا ضرر عليهما في ذلك ولا كلفة ولا مشقة.
وقال الحنابلة: أما إذا كانت العين المقترضة من القيميات , فيلزم المقترض أداء قيمتها في بلد القرض مطلقا , فإن طالبه المقرض في البلد الآخر بقيمتها في بلد القرض , لزمه أداؤها , لأنه أمكنه أداء الواجب بلا ضرر عليه فيه. أما إذا طالبه بقيمتها في بلد المطالبة , وكانت أكثر , لم تلزمه , لأنه لا يلزمه حملها إليها.