لا خلاف بين الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا
أيا كان سبب هذا الدين قرضا أو بيعا أو إتلافا أو غصبا , لأن الديون واجبة الوفاء , فكان الرهن بها رهنا بحق واجب التسليم إلى صاحبه.
وفي هذه الحالة يكون الحق قد ثبت أولا ثم تبعه الرهن.
وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الرهن في المسلم فيه , لأنه كما يجوز أخذ الرهن في الحق الثابت في الذمة إن كان ثمنا , فكذلك يجوز أخذ الرهن عنه إن كان مثمنا كما في السلم , وذلك بجامع الدينية والثبات في الذمة في كل منهما , فلا وجه للتفريق بين دين السلم وغيره من الديون.
أما الحنابلة فإنهم خالفوا الجمهور ومنعوا أخذ الرهن في المسلم فيه لأنه لا يؤمن هلاك الرهن فيصير رب السلم مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه.
ولمثل هذا ذهب زفر من الحنفية وهو يعلل ذلك بأنه لا يجوز الرهن بما لا يصح الاستبدال فيه قبل القبض , لأن سقوط الدين بهلاك الرهن إذا هلك , إنما يكون نتيجة لاستبداله بما وجب في ذمة المرتهن بذلك الهلاك , بمعنى أن عين الرهن صارت بدلا عن الدين الذي رهنت به , واستبدال هذه الديون لا يصح. فلو جاز الرهن بهذه الديون لزم منه استبدال هذه الديون قبل قبضها , إذا هلك الرهن , وهو لا يجوز شرعا.
أما إذا كان المرهون به عينا
ففيه نوعان: نوع اتفق الفقهاء على عدم جواز الرهن به , وهو يخص الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية والمأجور ومال الشركة والمضاربة ونحوها من الأعيان التي هي ليست بمضمونة أصلا.
ذلك أن قبض الرهن مضمون عند الحنفية , وعند غيرهم أن يكون الدين مضمونا , فلا بد من أن يقابله مضمون , أي لا رهن إلا بمضمون , ليصح القبض موصلا إلى الاستيفاء.
ونوع اختلف الفقهاء في صحة الرهن به , وهو يخص الأعيان المضمونة.
فإذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها (وهي التي يجب ضمان مثلها إن كان لها مثل , أو قيمتها إن لم يكن لها مثل , كالمغصوب في يد الغاصب , والمقبوض على سوم الشراء , والمهر في يد الزوج , وبدل الخلع في يد الزوجة , وبدل الصلح عن دم العمد) , فيجوز الرهن بها عند الجمهور غير الشافعية , وللمرتهن أن يحبس الرهن حتى يسترد العين المرهون بها , وإن هلك الرهن في دين المرتهن قبل استرداد العين , وهي قائمة باقية , يقال للراهن: سلم العين إلى المرتهن , وخذ منه الأول من قيمة الرهن , ومن قيمة العين , لأن المرهون مضمون بالأقل المذكور عند الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه لا يصح الرهن بالعين التي هي أمانة أو مضمونة , لاشتراطهم كون المرهون به دينا , لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة , فلا يثبت في غيرها , ولأن هذه العين لا تستوفي من ثمن المرهون , وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
وأما إن كانت الأعيان مضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع , فإنه مضمون بغيره وهو الثمن , فلو هلك المبيع في يد البائع سقط الثمن عن المشتري , فلا يصح الرهن به في رواية النوادر عن أبي حنيفة لأن قبض الرهن قبض استيفاء , ولا يتحقق معنى الاستيفاء في المضمون بغيره إذ لو هلك الرهن في يد المشترى , لا يصير مستوفيا شيئا بهلاك الرهن.
وفي ظاهر الرواية: إنه يصح الرهن بالمبيع قبل القبض , لأنه مضمون وللمشتري أن يحبس المرهون حتى يقبض المبيع , لأن الاستيفاء المطلوب يتحقق من حيث المعنى , لأن المبيع قبل قبضه إن لم يكن مضمونا بقيمته , مضمون بالثمن , ويعد سقوط الثمن عن المشتري بهلاك المبيع قبل تسليمه إليه , كالعوض عنه , فيصير المشترى مستوفيا مالية المبيع.