اتفق الفقهاء في الجملة على أن القبض شرط في الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} واختلفوا في تحديد نوع الشرط: أهو شرط لزوم أو شرط تمام؟ .
وفائدة الفرق: أن من قال شرط لزوم , قال: ما لم يقع القبض لم يلزم الراهن بالرهن , وله أن يرجع عن العقد.
ومن قال شرط تمام , قال: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض , إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة , حتى يفلس الراهن أو يمرض أو يموت.
قال الجمهور غير المالكية: القبض ليس شرط صحة وإنما هو شرط لزوم الرهن , فلا يلزم الرهن إلا بالقبض , فما لم يتم القبض يجوز للراهن أن يرجع عن العقد , وإذا سلمه الراهن للمرتهن وقبضه لزم الرهن , ولم يجز للراهن أن يفسخه وحده بعد القبض.
ودليلهم قوله تعالى {فرهان مقبوضة} فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقيد به فائدة , فقد علقه سبحانه بالقبض فلا يتم إلا به.
ولأن الرهن عقد تبرع أو إرفاق (أي نفع) يحتاج إلى القبول , فيحتاج إلى القبض ليكون دليلا على إمضاء العقد وعدم الرجوع , فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض.
وذهب المالكية إلى أنه لا يتم الرهن إلا بالقبض أو الحوز , فهو شرط تمام الرهن , أي لكمال فائدته , وليس شرط صحة أو لزوم , فإذا عقد الرهن بالقول (الإيجاب والقبول) , لزم العقد , وأجبر الراهن على إقباضه للمرتهن بالمطالبة به.
فإن تراخي المرتهن في المطالبة به أو رضي بتركه في يد الراهن , بطل الرهن.
ودليلهم قياس الرهن على سائر العقود المالية اللازمة بالقول , لقوله تعالى {أوفوا بالعقود} والرهن عقد فيجب الوفاء به.
كما أن الرهن عقد توثق كالكفالة , فيلزم بمجرد العقد قبل القبض.
وبناء على اشتراط القبض: لو تعاقد الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن في يد الراهن , لم يصح الرهن.
فلو هلك في يده لا يسقط الدين , ولو أراد المرتهن أن يقبضه من يد الراهن ليحبسه رهنا , ليس له قبضه إذ لا يصير الرهن صحيحا بعد فساد.
هذا ويشترط لصحة القبض عند الجمهور (الحنفية والمالكية الحنابلة) دوام القبض , فإن قبض الرهن , ثم رده المرتهن باختياره إلى الراهن أو عاد إليه بإعارة أو إيداع أو إجارة أو استخدام أو ركوب دابة أو سيارة , بطل الرهن عند المالكية والحنفية , وزال لزوم الرهن وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض عند الحنابلة , فإن عاد الراهن فرده إلى المرتهن , عاد اللزوم عند الحنابلة بحكم العقد السابق , وعند الحنفية والمالكية: لا يعود الرهن إلا بعقد جديد.
ودليلهم عموم قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} الذي يفهم منه اشتراط وجود القبض واستدامته.
ولم يعتبر الشافعية استدامة القبض من شروط الصحة , وذلك فيما يمكن الانتفاع به مع بقائه , وقالوا بأنه لا يمنع القبض إعارة المرهون للراهن , أو أخذ الراهن المرهون بإذن المرتهن , واستعماله للركوب والسكنى والاستخدام , ويبقى وثيقة بالدين , لخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولأن الرهن عقد يعتبر القبض في ابتدائه , وثيقة , فلم يشترط استدامته كالهبة.
وأما إذا كان المرهون مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه , لم يكن الراهن طلب استرداده للانتفاع به بعد قبضه ووجب استمرار يد المرتهن عليه , إذ لا ضمان لحقه إلا بذلك , حتى لا يتعرض حقه للضياع والتلف.