حق الحبس أو الاحتباس يترتب على تعلق الدين بالمرهون لأن التعلق شرع وسيلة لوفاء الدين من المرهون أو من غيره , ولا يتم التعلق على وضع مأمون إلا بحبس ما يتعلق به الدين لدى المرتهن , حتى يكون حبسه حاملا للمدين على الوفاء , مخافة بيع المال المحبوس جبرا عنه عند إبائه.
فكان تعلق الدين بالرهن , وحبس المرهون من عناصر التوثق.
وبناء عليه , قال الحنفية: يترتب على صحة الرهن ثبوت حق المرتهن في حبس العين المرهونة على وجه الدوام , وعدم تمكين الراهن من استرداد المرهون قبل وفاء الدين , لأن الرهن شرع للتوثق , والتوثق لا يكون إلا بحبس ما يكون به الوفاء وهو المال المرهون.
وإثبات حق الحبس يكون عند الحنفية بإثبات يد استيفاء الدين للمرتهن على المرهون , لأن معنى الاستيفاء: هو ملك عين المستوفي , وملك اليد عليه معا , وبما أن ملك عين المرهون ممنوع شرعا بالحديث الصحيح: لا يغلق الرهن من صاحبه بقي ملك اليد , ويصير موجب عقد الرهن الذي شرع وثيقة للاستيفاء: وهو ثبوت ملك اليد فقط , دون ملك العين , لأنه مدلول لفظ الرهن لغة وهو الحبس , والمعاني الشرعية تثبت على وفق المعاني اللغوية.
ويترتب على ثبوت حق حبس المال المرهون: أن المرتهن كما ذكر الحنفية يحفظ المرهون تحت يده بما يحفظ به مال نفسه عادة , فيحفظه بنفسه وزوجته وولده وخادمه إذا كان يسكنان معه , وبأجيره الخاص , لأن عين المرهون أمانة في يد المرتهن , فصار من هذه الناحية كالوديعة يحفظ كما تحفظ.
ولا يجوز له حفظه بغير هؤلاء , فإذا أودعه أو قصر في حفظه , ضمن قيمته بالغة ما بلغت والضامن عند أبي حنيفة هو المرتهن لا الوديع , وعند الصاحبين: كلاهما ضامن , المرتهن بالدفع , والوديع بتسلمه ما ليس مملوكا للدافع , لكن يستقر الضمان في النهاية على المرتهن , كما في وديع الوديع.
ويجوز للمرتهن السفر بالمرهون إذا كان الطريق آمنا , كما في الوديعة , وإن كان له حمل ومؤنة.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : إن موجب الرهن هو موجب سائر الوثائق , وهو أن تزداد به طرائق المطالبة بالوفاء , فيثبت به للمرتهن حق تعلق الدين بالعين المرهونة عينا , والمطالبة بإيفائه من ماليتها , عن طريق بيعها واختصاصه بثمنها.
أما حق الحبس , فليس بحكم لازم لعقد الرهن عند الشافعية , فللراهن أن يسترد به الرهن لينتفع به , بدون استهلاكه , فإذا انتهى انتفاعه رده إليه , بدليل الحديث السابق: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه أي لا يحبس , وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراهن بلام التمليك , وسماه صاحبا , فاقتضى أن يكون هو المالك للرهن رقبة وانتفاعا وحبسا.
والحبس على الدوام يتنافى مع كون الرهن توثيقا , فقد يهلك الرهن فيسقط الدين , أي كما قال الحنفية , فيكون توهينا لا توثيقا , ثم إن في الحبس تعطيلا للانتفاع بالرهن , فهو تسييب , والتسييب ممنوع شرعا.