للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهب جماهير الفقهاء إلى أن الوديعة أمانة في يد الوديع , وعليه حفظها بما جرت به عادة الناس من حيث الكيفية والموضع , فإن تعدى أو فرط في ذلك صار ضامنا.

ومراد الفقهاء بالتفريط: (ما يعد في عرف الناس تهاونا في الحفظ والصون , لا يفعله العاقل بماله) , وبالتعدي: (ما اعتبر شرعا أو عادة تجاوزا لما ينبغي للوديع الاقتصار عليه) .

واستدل الفقهاء على كون الوديعة أمانة في يد الوديع بالسنة والإجماع والمعقول:

فأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: من أودع وديعة فلا ضمان عليه رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي.

وقوله صلى الله عليه وسلم: وليس على المستعير غير المغل ضمان , ولا على المستودع غير المغل ضمان رواه الدارقطني والبيهقي.

والمغل: هو الخائن.

وأما الإجماع فقد أجمع فقهاء الأمصار على أن الوديعة أمانة في يد المستودع.

وأما المعقول فهو أن الوديع إنما يحفظها لمالكها , فتكون يده كيده. ولأنه قبض العين بإذن مالكها لا على وجه التمليك ولا الوثيقة , فلا يضمنها , لأن مال الوديع معصوم بعصمة الإسلام , وليس هناك موجب شرعي لتضمينه. ولأن الأصل في حفظ الوديعة أنه معروف وإحسان من الوديع , حيث يبذل منافع بدنه وحرزه لحفظها , فلو ضمن من غير عدوان أو تفريط لامتنع الناس عن قبول الودائع , وذلك مضر بمصالحهم , إذ كثيرا ما يحتاجون إليها أو يضطرون.

هذا ولو اشترط رب الوديعة على المستودع ضمانها , فقبل , فلا ضمان عليه , لأن اشتراط الضمان على الأمين باطل , وجعل ما أصله أمانة مضمونا بالشرط لا يصح , حيث إن هذا الشرط مناف لمقتضى العقد ومفوت لموجبه , فلا يعتبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>