للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناقة للمزني -رجل من مزينة- فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فأمر عمر لكثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، قال عمر - رضي الله عنه -: إني أراك تجيعهم، والله لأغرمنك غرمًا يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ قال: أربعمائة درهم، قال عمر - رضي الله عنه -: أعطه ثمانمائة درهم" (١).

وكذلك حكم عثمان - رضي الله عنه - بتضعيف الغرامة، روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبان بن عثمان أن أباه عثمان - رضي الله عنه - أغرم في ناقة محرم أهلكها رجل، فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها.

وقال الزهري: ما أصيب من أموال الناس ومواشيهم (٢) فإنه يزاد الثلث لهذا في العمد؛ فهذا الزهري أيضًا عمل بعد الصحابة - رضي الله عنهم -.

قلت: هذا محمول منهم على السياسة زيادة في الزجر والعقوبة.

ص: فكانت العقوبات جارية في هذه الآثار على ما ذكر فيها حتى نسخ ذلك بتحريم الربا، فعاد الأمر إلى أن لا يؤخذ ممن أخذ شيئًا إلا مثل ما أخذ، وأن العقويات لا تجب في الأموال بانتهاك الحرم التي هي غير الأموال، فحديث سلمة عندنا كان في الوقت الأول، فكان الحكم على من زنى بجارية امرأته مستكرهًا لها أن تعتق عليه عقوبة له في فعله ويغرم مثلها لامرأته، وإن كانت طاوعته ألزمها جارية زانية، وألزم مكانها جارية طاهرة ولم تعتق هي لطواعيتها إياه، وفرق في ذلك بين ما إذا كانت مطاوعة له وبين ما إذا كانت مستكرهة.

ثم نسخ ذلك فردت الأمور إلى أن لا يعاقب أحد بانتهاك حرمة لم يأخذ فيها مالًا بأن يغرم مالًا ووجبت عليه العقوبة التي أوجب الله على سائر الزناة، فثبت بما ذكرنا ما روى النعمان، ونَسْخ ما روى سلمة بن المحبق - رضي الله عنه -.


(١) انظر "المحلى" (١١/ ٣٢٤ - ٣٢٥).
(٢) زاد في "المحلى" (١١/ ٣٢٥): "في الشهر الحرام".

<<  <  ج: ص:  >  >>