ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب، ونثر على رؤوسهم كلهم ترابًا كان في يده وهو يتلو قوله تعالى:{يس} إلى قوله تعالى: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[يس: ٩]، ثم انصرف حيث أراد، وقد أخذ الله على أبصارهم فلم يره أحد منهم، وروى أحمد بإسناد حسن أنه خرج حتى لحق بالغار أي غار ثور وفي رواية ابن هشام فأفاد أنه توارى فيه حتى أتى أبا بكر منه في نحر الظهيرة، ثم خرج إليه هو وأبو بكر ثانيًا، وفي البيضاوي فبيت عليًا على مضجعه، وخرج مع أبي بكر إلى الغار، انتهى، فأتاهم آت ممن لم يكن معه فقال ماذا تنتظرون ها هنا؟ ، قالوا: محمدًا، قال قد خيبكم الله، والله خرج محمد عليكم ثم ما ترك فيكم رجلاً إلا وضع على رأسه ترابًا، فوضع كل رجل يده على رأسه فإذا عليه تراب، وفي رواية ابن أبي حاكم عن ابن عباس فما أصاب رجلاً منهم حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا، وفي هذا نزل {{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: ٣٠](الآية)، ثم أذن الله تعالى لنبيه في الهجرة إلى المدينة، قال ابن عباس بقوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي}[الإسراء: ٨٠]، أي المدينة، مدخل صدق أي إدخالاً مرضيًا لا أرى فيه ما أكره، وأخرجني أي من مكة، مخرج صدق أي إخراجًا لا التفت إليها بقلبي، واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا أي قوة تنصرني بها على أعدائك، أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم انتهى من المواهب وشرحها، وبعضه من الكلاعي ثم بين الناظم رحمه الله تعالى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر فقال:
(وهاجر المختار لما أن وصل ... خمسين مع ثلاثة حتى نزل)
(بطيبة الغراء حيث أمرا ... )
يعني أنه صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة زادهما الله تعالى تعظيمًا لما بلغ عمره المبارك ثلاثًا وخمسين سنة، فقوله حتى نزل غاية لهجرته عليه السلام، وطيبة من أسماء المدينة ووصفها بالغراء لإشراقها بنور المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد انتشر منها الدين