فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا من حدث، فلما دخل تأخر أبو بكر عن سريره فجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك، فقال لا عين عليك إنما هما ابنتاي بأبي أنت وأمي، فقال صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والصحبة بالنصب معمول لأريد محذوف أو مرفوع بتقدير مطلوبي، قال صلى الله عليه وسلم نعم، قالت عائشة رضي الله عنها: فرأيت أبا بكر بكى وما كنت أحسب أن أحدًا يبكي من الفرح، فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيرًا ليس لي، فقال لك، قال لا ولكن الثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا، قال قد أخذتها بذلك.
وأفاد الواقدي أن الثمن ثمان مائة درهم وأن التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم هي القصواء، وكانت من نعم بني قشير وعاشت بعده صلى الله عليه وسلم قليلاً وماتت في خلافة أبي وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وذكر ابن إسحاق أنها الجدعاء وكانت من إبل بني الحريش بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين وسكون التحتية وشين معجمة، وفي سيرة عبد الغني أن الثمن أربع مائة درهم وإنما لم يقبلها إلا بالثمن وقد أنفق عليه أبو بكر من ماله أكثر من ذلك، فقبله كما ذكر السهيلي إنه إنما فعل ذلك لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام في استكماله فضل الهجرة إلى الله تعالى، وأن تكون على أتم الأحوال، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجمع على الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته وهي بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة، وهي الباب الصغير كما في الزرقاني وغيره بعد دخوله عليه في نحر الظهيرة، وكان خروجهما ليلاً فمضيا إلى غار ثور بمثلثة فمكثا فيه ثلاث ليال كما هو لفظ البخاري وثور جبل بمكة وفي الأنوار الغار ثقب في أعلى ثور في يمنى مكة على مسيرة ساعة وقيل على ثلاثة أميال