التفضيل بين الأزمان، وموضع القبر الشريف العمل فيه حرام، فيه عقاب شديد، ورد عليه تلميذه العلامة القرافي بأن التفضيل للمجاورة والحلول كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود، فلا يمسه محدث ولا يلابس بقذر لا لكثرة الثواب وإلا لزم أن لا يكون جلد المصحف، بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره، وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة، وأسباب التفضيل أعم من الثواب، وقال السبكي قد يكون للتفضيل لكثرة الثواب، وقد يكون لأمر آخر، وإن لم يكن عمل فإن القبر الشريف ينزل عليه من الملائكة والرحمة وله عند الله من المحبة، لساكنه ما تقصر العقول عنه، فكيف لا يكون أفضل الأمكنة، وقال السمهودي والرحمات النازلات بذلك المحل يعم فيضها الأمة، هي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم وهو منبع الخيرات، وفي الشفاء ومن إعظامه عليه السلام إكرام مشاهده وأمكنته، ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة ويقول أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة، وأفتى مالك فيمن قال تربة المدينة ردية أن يضرب ثلاثين درة، وأمر بحبسه، وكان له قدر، وقال ما أحوجه إلى ضرب عنقه، وروي أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرًا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيًا منشدًا:
(ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤاد لعرفان الرسوم ولا لبا)
(نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا)
ولما أشرف بعض المريدين على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أنشأ يقول متمثلاً:
(رفع الحجاب لنا فلاح لناظر ... قمر تقطع دونه الأوهام)
(وإذا المطي بنا بلغن محمدًا ... فظهورهن على الرجال حرام)
(أقربتنا من خير من وطئ الثرا ... فلها علينا حرمة وذمام)
قال القاضي وجدير بمواطن عمرت بالوحي والتنزيل، وتردد بها جبريل وميكائيل، وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، واشتملتن تربتها على جسد سيد البشر، صلى