أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح معه صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة وأخبره بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام لا ينتطح فيها عنزان، فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت منه صلى الله تعالى عليه وسلم، فهي من كلامه الوجيز البليغ الذي لم يسبق إليه عليه الصلاة والسلام أي لا يعارض فيها معارض ولا يطلب بديتها.
ولابن إسحاق أنه لما رجع إلى قومه وجد بنيها وهم خمسة رجال في جماعة يدفنونها فقال أنا قتلتها فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم فأهدرها صلى الله تعالى عليه وسلم ولم ينتطح فيها عنزان وسماه البصير لكمال إيمانه وقوة قلبه، وقال من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله فلينظر إلى عمير بن عدي، فقال عمر انظروا إلى هذا الأعمى الذي يرى وسمي ابن دريد بن عدي عمر غشميراً بمعجمتين قبل الميم، وقال فعليل من الغمشرة وهي أخذ الشيء بالغلبة، قال في الغصابة صحفه ابن دريد وإنما هو عمير لا شك فيه، ولا ريب انظر الزرقاني وللعراقي:
(فبعثه عميراً الخطميا ... لقتل عصما هجت النبيا)
قال المناوي في شرحه وكان لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة أشهر من الهجرة، ثم بعده بعث سالم بن عمير بن ثابت الأوسي العقبي البدري أحد بني عمرو بن عوف وكان من البكائين بعثه عليه الصلاة والسلام إلى قتل أبي عفك بفتح المهملة والفاء الخفيفة فكان يقتل رجل أعفك أي أحمق وهو يهودي كان في بني عامرو بن عوف وكان قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرض على النبي صلى الله عليه وسلم ويهجوه، فقال عليه السلام من لي بهذا الخبيث فقال سالم على نذر إن لم أقتل أبا عفك أو أموت دونه، فأمهل يطلب له غرة بكسر المعجمة وشد الراء المهملة أي غفلة حتى كانت ليلة صائفة أي حارة نام أبو عفك بفناء منزله وعلم سالم به فأقبل إليه ووضع سيفه على كبده ثم اعتمد عليه