الأمور التي يتعجب منها لأنها لم تكن مألوفة لأن هذين الحيوانين متوحشان لا يألفان معموراً فمهما أحسا بإنسان فرا منه وروي أن المشركين لما مروا على باب الغار طارت الحمامتان فنظروا إلى بيضهما ونسج العنكبوت فقالوا لو كان هنا أحد لما كان هنا حمام، وروي أن بعض قريش قال لهم ادخلوا الغار فقال أمية ابن خلف وما اربكم إلى الغار إن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد، وروي أن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين جزاء وفاقا لما حصل بهما الحماية جوزيتا بالنسل وحمايته في الحرم وفي المثل آمن من حمام الحرم والعنكبوت دويبة تنسج في الهواء واستعمال الحوك في فعلها مجاز لما بينهما من المشابهة وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل أنه عليه الصلاة والسلام لما دخل هو وأبو بكر الغار أنبت الله على بابه الراءة وهي بالراء المهملة والمد والهمزة أم غيلان، ضرب من الغضاه وعن الدنيوي أنها تكون مثل قامة الإنسان لها زهر أبيض تحشى به المخاد كالريش في الخفة واللبن وما أحسن قول صاحب البردة:
(ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم)
(وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم)
وتنسج بفتح التاء وكسر السين وضمها أي العنكبوت ولم تحم أي الحمام فقيه لف ونشر مقلوب وقوله وقاية الله الخ. أي حفظه لحبيبه بهذين الضعيفين جداً من عدوه مع شدة بأسه كفت عن الدروع المضاعفة وهي المنسوجة حلقتين حلقتين وعن العالي من الأطم بضمتين وهي الحصون التي يتحصن فيها. وقال أيضاً في لاميته:
(واغيرتا حين أضحى الغار وهو به ... كمثل قلبي معمور وماهول)
(كأنما المصطفى فيه وصاحبه الصـ ... ـديق ليثان قد آواهما غيل)