من قعب واحد، وإن كان أحدهم يشرب قعبا وحده فيقول أبو طالب إنه لمبارك. وروى أبو نعيم عن ابن عباس قال كان بنو أبي طالب يصبحون عمشا ر مصا ويصبح محمد صلى الله عليه وسلم صغيلا دهينا كحيلا وكان أبو طالب يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده كذلك ولذا لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج به متى خرج ووذكر ابن قتيبة انه كان يوضع له الطعام ولصبية أبي طالب فيتطاولون إليه ويتقاصر هو تكرما منه ونزاهة نفس وأخرج ابن عساكر عن جلهمة بضم الجيم وتفتح ابن عرفطة بضم العين والفاء قال قدمت مكة وقريش في قحط فقائل منهم يقول اعمدوا اللاة والعزى وقائل منهم اعمدوا مناة فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي أنى تؤفكون وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل؟ قالوا كأنك عنيت أبا طالب! قال إيها! فقاموا جميعهم فقمت فدققنا عليه الباب فخرج إلينا فثاروا إليه فقالوا يا أبا طالب اقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب معه غلام يعنى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بأصبعه أي أشار به إلى السماء كالمتضرع المتلجئ وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من ههنا وههنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي هذا يقول أبو طالب يذكر قريشا حين تمالؤوا عليه صلى الله عليه وسلم يده وبركته عليهم من صغره:
(وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عاصمة للأرامل)
(يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل)
في قصيدته الآتية إن شاء الله تعالى في ذكر الحصار.
قوله أقحط الوادي بالبناء للفاعل والمفعول والقتماء التي يعلوها سواد غير شديد أي كأنه شمس يوم الغيم حين ينجلي سحابها، الرقيق فانها حينئذ تكون مشرقة مقبولة للناس ليست محرقة والقزعة: