للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر شيء من منكراتهم على العامة، حيث إن كل الآثار السابقة تفيد أن السلف رغم ما يحملون على بعض الحكام في نفوسهم من أشياء، أو ينكرون عليهم من أمور؛ فإنهم كهانوا لا يجاهرون بذلك أمام عامة الناس خوفا من فتح باب الفتنة والخروج، كما قال أسامة بن زيد وعائشة وأبو حازم، جميعهم خافوا من تبعة لسانهم وتأثيره على عامة الناس، فتورعوا من ذكر ما في نفوسهم خشية وقوع الفتن، ولهذا ورد في آخر أثر عن صالح المري انتشار مقولة: "تورع في الفتن كعبادة النبيين في الرخاء"، قال -ابن حجر معلقا- على أثر أسامة بن زيد: "لا أفتح بابا أكون أول من فتحه": "يعني لا أكلمه إلا مع مراعاة المصلحة بكلام لا يهيج به" (١)، وقال النووي: "يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، كما جرى لقتلة عثمان -رضي اللَّه عنه-، وفيه الأدب مع الأمراء، واللطف بهم، ووعظهم سرا، وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار فليفعله علانية؛ لئلا يضيع أصل الحق" (٢)، بل إن نفس الكلمة التي قالها أسامة بن زيد قالها عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة، اجتمع الناس فقالوا: أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له عليَّ حقَّ الطاعة، ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن" (٣).


(١) فتح الباري (١٣/ ٧٥)، وانظر (١٣/ ٥٢).
(٢) شرح مسلم (١٨/ ١١٨)، وكلامه الأخير فيه نظر وليس على إطلاقه.
(٣) الإصابة (٤/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>