توجه مستقل تماما عن هذه الطائفة كطائفة، بل إن المتأمل لما أورده من أقوال السلف في المسائل التي تناولها بالتأليف فيها، يلحظ بكل وضوح أنه كان يقصد إبراز منهج السلف فيها، والرواية عن أئمتهم، فهي في الحقيقة رد على كل باطل اشتهر في وقته، بإرجاع الناس إلى ما كان عليه السلف، وإذا عرفت أنه بقى للتدريس إلى العام الذي توفي فيه يدرس كتبه ويملى ما ورد فيها، تبينت لك هذه الحقيقة أكثر.
يضاف إلى هذا تأليفاته الصريحة في الرد على هذه الطائفة ككتاب التوكل الذي عالج فيه قضية عقدية مهمة وهي علاقة الأسباب بالتوكل وحكم التكسب، وذم الملاهي، والرضا عن اللَّه بقضائه وقدره، والتواضع والخمول، وكتاب الأولياء وغيرها من الكتب الهامة التي عالج فيها قضايا عقدية اشتهرت بها هذه الطائفة فبيّن منهج السلف فيها بتلك الكتب وروى آثارهم كما ستجده مفصلا في محله من أبواب هذه الرسالة ومباحثها التفصيلية.
لكن هذا التقرير والتحقيق لا يمنع من ذكر بعض الملاحظات والإشارة إلى بعض الانتقادات التي لاحظتها أثناء إعداد هذه الرسالة العلمية.
[أولا: مسألة حياة الخضر.]
١ - الخضر صاحب نبي اللَّه موسى عليه السلام؛ فقد وردت آثار كثيرة في حياته وبعض الحكايات التي تفيد بقاءه، بل روى أحاديث مرفوعة في مقابلته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنك تجد كثيرا من المرويات التي ذكرها الحافظ في الإصابة وفتح الباري عن الخضر من طريق ابن أبي الدنيا (١)، لكن هذا
(١) انظر فتح الباري (٦/ ٤٣٥، ٤٤٣)، والإصابة (٢/ ٢٩٥ - فما بعدها)، وقد روى رحمه اللَّه كثيرا منها في كتابه الهواتف انظر مثلا الأرقام: (٢٩، ٣٠، ٦٢، ٧١، =